للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أوجبَ شهودُه له زيادةً في محبّة معبوده وتعظيمًا له وهروبًا إليه وضنًّا (١) به، فإنَّ نظر المحبّ إلى مُناوئ محبوبه ومُضادّه (٢) يوجب زيادَة حبّه له. وفي هذا المعنى قال القائل:

وإذا نظرتُ إلى أميري زادني ... حُبًّا له نظري إلى الأُمراء (٣)

وكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول في دعائه: "اللهم لك أسلمتُ وبك آمنتُ، وعليك توكلتُ، وإليك أنبتُ، وبك خاصمتُ، وإليك حاكمتُ" (٤). وفي سجوده: "اللهمّ لك سجدتُ، وبك آمنتُ" (٥) وكذلك في ركوعه: "اللهمّ لك ركعتُ، وبك آمنتُ" (٦). فهذا دعاءُ من قد جمع بين شهود عبوديته وشهود معبوده، ولم يغب بأحدهما عن الآخر. وهل هذا إلّا كمال العبوديّة: أن يشهد ما يأتي به من العبودية موجِّهًا لها إلى المعبود الحق، مُحْضِرًا لها بين يديه، متقرّبًا بها إليه. فأمّا الغَيبة عنها بالكلّية، بحيث تبقى الحركات كأنّها طبيعية غير واقعة بالإرادة، فهذا وإن كان أكملَ من حال الغائب بشهود عبوديّته عن معبوده، فحال الجامع بين شهود العبودية والمعبود أكملُ منهما. وإذا عرفت هذه القاعدة ظهر أنّ تعليلَه التوكّلَ بما ذكر تعليلٌ باطلٌ.


(١) في الأصل والنسخ الأخرى: "ظنًّا"!
(٢) "ك، ط": "مبادي محبوبه. . "."ب": "مبادي محبوبه ومصادره"، تحريف.
(٣) البيت لعديّ بن الرقاع العاملي في ديوانه (١٦٢). وفيه وفي التمثيل والمحاضرة (٦٨): "ضنًّا به" مكان "حبًّا له". وقد ذكره المؤلف في الصواعق (٨٦٥) أيضًا.
(٤) تقدم تخريجه (٧٣).
(٥) من حديث علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه. أخرجه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها (٧٧١).
(٦) المصدر السابق.