للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كرهها من حيث الطبع البشري، فإنّ هذه الكراهة لا تنافي محبّتَه لها؛ كما يكره طبعُه الدواءَ الكريه، وهو يحبّه من وجه آخر. وهذا لا ينكر في المحبّة المتعلّقة بالمخلوق مع ضعفها وضعف أسبابها، كما قال القائل في ذلك:

أهوى هواه وبُعدي عنه يعجِبه ... فالبعدُ قد صار لي في حُبِّه أرَبا (١)

وقال آخر (٢):

أريدُ وصاله ويُريد هَجري ... فأتركُ ما أُريد لما يُريدُ (٣)

وقال آخر (٤):

وأهَنْتِني فأهنتُ نفسي جاهدًا ... ما مَن يَهونُ عليكِ ممّن أُكرِمُ (٥)

وإنّه لَتبلغ المحبّة بالعبد إلى حيث يفنى بمراد محبوبه عن مراده هو منه. فإذا شهد مراد محبوبه أحبّه وإن كان كريهًا إليه. فهذا لا ينكَر ولكن (٦) لا ينافي التألّمَ بمراد المحبوب المنافي للمحبّ وصبره عليه، بل يجتمع في حقّه الأمران.


(١) من بيتين للقاضي أبي محمد المرتضى عبد اللَّه بن القاسم بن المظفر الشهرزوري (٤٦٥ - ٥٢١ هـ) انظر: خريدة القصر - قسم شعراء الشام (٢/ ٣١٠). وقد ذكرهما المؤلف في روضة المحبين (٤٥٣) أيضًا.
(٢) "ب، ك، ط": "الآخر".
(٣) لابن المنجّم الواعظ. وقد سبق في ص (٤٧٩).
(٤) "ب، ط": "الآخر".
(٥) لأبي الشيص الخزاعي من أبيات ستأتي في ص (٦٥٩).
(٦) "لكن" ساقط من "ط".