للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفَرْقٌ بين من يحمله على ترك معصية سيّده خوفُه من سوطه وعقوبته، وبين من يحمله على ذلك حبُّه لسيّده. وفي هذا قال عمر: "نعم العبد صهيب، لو لم يخَفِ اللَّهَ لم يعصِه" (١) يعني أنّه لو لم يخف من اللَّه لكان في قلبه من محبّة اللَّه وإجلاله ما يمنعه من معصيته. فالمحبّ الصادق عليه رقيبٌ من محبوبه يرعى قلبه وجوارحه، وعلامة صدق المحبّة شهودُ هذا الرقيب ودوامه.

وههنا لطيفة يجب التنبه لها، وهي أن المحبّة المجرّدة لا توجب هذا الأثَر ما لم تقترن بإجلال المحبوب وتعظيمه، فإذا قارنها الإجلالُ (٢) والتعظيمُ أوجبت هذا الحياءَ والطاعة، وإلّا فالمحبة الخالية عنهما إنّما توجب نوعَ أُنس وانبساط وتذكّر واشتياق. ولهذا يتخلّف عنها أثرها وموجَبها (٣)، ويفتّش العبد قلبَه فيرى نوع محبّة للَّه، ولكن لا تحمله على ترك معاصيه، وسبب ذلك تجرّدها عن الإجلال والتعظيم. فما عمر القلبَ شيءٌ كالمحبّة المقترنة بإجلال اللَّه وتعظيمه، وتلك من أفضل مواهب اللَّه لعبده أو أفضلها، وذلك فضل اللَّه يؤتيه من يشاء.

السبب السادس: شرفُ النفس وزكاؤها وفضلُها وأنَفتهُا وحميّتُها أن تختار الأسباب التي تحطّها وتضع قدرها، وتخفض منزلتها وتُحقَرها، وتسوّي بينها وبين السَّفِلة.


(١) وهو أثر مشهور، ولكن لم يوقف له على أصل. انظر: المقاصد الحسنة (٥٢٦). وانظر في تأويله: بدائع الفوائد (٩٢) وجامع المسائل لشيخ الإسلام (٣/ ٣١٥).
(٢) "ط": " بالإجلال".
(٣) "وموجبها" ساقط من "ب".