للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من البليَّات.

ولكن يُحمَد في الحزن سببُه ومصدرُه ولازمُه، لا لذاته. فإنَّ المؤمن إمَّا أن يحزنَ على تفريطه وتقصيره في خدمة ربه وعبوديته، وإمَّا أن يحزن على تورّطه في مخالفته ومعصيته وضياع أيامه وأوقاته. وهذا يدلُّ على صحّة الإيمان في قلبه وعلى حياته، حيث شعر (١) قلبُه بمثل هذا الألم، فحزن عليه. ولو كان قلبه ميّتًا لم يحسّ بذلك، ولم يحزن، ولم يتألَّم، فما لِجُرحٍ بميّتٍ إيلام (٢). وكلَّما كان قلبُه أشدَّ حياةً كان شعوره بهذا الألم أقوى، ولكنَّ الحزن لا يجدي عليه، فإنَّه يُضعِفه، كما تقدّم. بل الذي ينفعه أن يستقبل السيرَ، ويجدّ، ويشمِّر، ويبذل جهده.

وهذا نظيرُ من انقطع عن رُفْقتِه في السفر، فجلس في الطريق حزينًا كئيبًا يشهد انقطاعَه وسبقَ رفقته، فقعودُه لا يجدي شيئًا. بل إذا عرف الطريق فالأولى له أن ينهض، ويجدّ في السير (٣)، ويحدّث نفسَه باللَّحاق بالقوم. وكلَّما (٤) فترَ وحزِن حدّث نفسَه باللحاق برفقته، ووعدها -إن صبرَتْ- أن تلحق بهم، وتزول عنها وحشةُ الانقطاع. فهكذا السالك إلى منازل الأبرار، وديار المقرَّبين.


= "ب": "فقرن بين"، تحريف.
(١) "ك، ط": "شغل"، تحريف.
(٢) من قول المتنبي (ديوانه ٢٤٥):
من يَهُنْ يسهلِ الهوانُ عليه ... ما لجُرْحٍ بميِّتٍ إيلَامُ
(٣) "وسبق رفقته. . . " إلى هنا ساقط من "ب، ك، ط". وقد استدركها بعضهم في حاشية "ك".
(٤) "ك، ط": "فكلّما".