للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في الحبّ. ثمَّ نفى ذلك عن المؤمنين فقال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة/ ١٦٥]، فإنَّ الذين آمنوا أخلصوا حبّهم للَّه لم يشركوا به معه غيره، وأمَّا المشركون فلم يخلصوه للَّه.

والمقصود من الخلق والأمر إنَّما هو هذه المحبّة، وهي أوَّل دعوة الرسل. وآخرُ كلام العبد المؤمن الذي إذا مات عليه دخل الجنَّة اعترافُه وإقرارُه بهذه المحبّة، وإفرادُ الربّ تعالى بها. فهو أول ما يدخل به في الإسلام، وآخر ما يخرج به من الدنيا (١) إلى اللَّه. وجميع الأعمال كالأدوات والآلات لها، وجميع المقامات وسائل إليها، وأسبابٌ لتحصيلها وتكميلها وتحصينها (٢) من الشوائب والعلل. فهي قطب رحى السعادة، وروح الإيمان، وساق شجرة الإسلام. ولأجلها أنزل اللَّه الكتاب والحديد: فالكتاب هادٍ إليها، ودالّ عليها، ومفصِّل لها. والحديد لمن خرج عنها، وأشرك فيها مع اللَّه غيره. ولأجلها خلقت الجنة والنار: فالجنة دار أهلها الذين أخلصوها للَّه وحده، فأخلصهم لها؛ والنار دار من أشرك فيها مع اللَّه غيره، وسوَّى بينه وبين اللَّه فيها، كما أخبر تعالى عن أهلها أنَّهم يقولون في النار لآلهتهم: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٩٧) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٩٨)} [الشعراء/ ٩٧ - ٩٨].

وهذه التسوية لم تكن منهم في الأفعال والصفات بحيث اعتقدوا أنَّها مساوية للَّه في أفعاله وصفاته، وإنَّما كانت تسويةً منهم بين اللَّه وبينها في المحبّة والعبودية فقط (٣)، مع إقرارهم بالفرق بين اللَّه وبينها، فتصحيح


(١) " ف": "الذنب"، تحريف.
(٢) "ف": "تخليصها"، خلاف الأصل.
(٣) "فقط" ساقط من "ط". وفي "ك": "فقطع" تحريف.