للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال أبو عمرو الزُّجَاجي (١): سألت الجنيد عن المحبة فقال: تريد الإشارة؟ قلت: لا. قال (٢): تريد الدعوى؟ قلت: لا. قال: فأيشٍ تريد؟ قلت: عينَ المحبة. فقال: "أن تحبّ ما يحب اللَّه في عباده، وتكره ما يكره (٣) اللَّه في عباده".

وقيل: المحبة معيَّة القلب والروح مع المحبوب معيَّةً لا تفارقه، فإنَّ المرءَ مع من أحبّ.

وقد قيل فيها (٤) حدود أكثر من هذا، وكلّ هذا تعنّ. ولا توصف المحبة ولا تحدّ بحدّ أوضح من المحبة، ولا أقرب إلى الفهم من لفظها. وأمَّا ذكر الحدود والتعريفات، فإنَّما يكون عند حصول الإشكال والاستعجام على الفهم، فإذا زال الإشكال وعُدِمَ الاستعجام فلا حاجة إلى ذكر الحدود والتعريفات (٥)، كما قال بعض العارفين (٦): إنَّ كلَّ لفظ يعبر به عن الشيء فلا بدَّ أن يكون ألطفَ وأرقَّ منه. والمحبَّة ألطف وأرقّ من كلِّ ما يعبّر به عنها.


(١) "ك، ط": "أبو عمر"، خطأ، وهو محمد بن إبراهيم النيسابوري، توفي في مكة سنة ٣٤٨ هـ. طبقات الصوفية (٤٣١).
(٢) "ف": "فقال"، خلاف الأصل.
(٣) "ط": "يكرهه"، وصحح في القطرية.
(٤) "ك، ط": "في المحبة". وانظر أقوالًا أخرى في المحبة في: مدارج السالكين (٢/ ٥٩٠ - ٥٩٥)، وروضة المحبين (٩٨ - ١٠١).
(٥) قارن هذا الكلام بما ورد في القشيرية (٣١٩).
(٦) هو سمنون المحبّ صاحب السريّ السقطي. انظر: طبقات الصوفية (١٩٦).