للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فاعلم أوَّلًا أنَّ كلَّ حال وذوق ووجد وشهود لا يُشرِق عليه نورُ العلم المؤيَّد بالدليل، فهو من عيش (١) النفس وحظوظها. فلو قُدِّرَ أنَّ المتكلّم إنَّما تكلَّم بلسان العلم المجرَّد، فلا ريبَ أنَّ ما كشفه العلم الصحيح المؤيَّد بالحجَّة أنفعُ من حالٍ يخالف العلمَ و [العلمُ] (٢) يخالفه. وليس من الإنصاف ردّ العلم الصحيح بمجرَّد الذوق والحال، وهذا أصل الضلالة، ومنه دخل الداخل على كثير من السالكين في تحكيم أذواقهم ومواجيدهم على العلم، فكانت فتنةٌ في الأرض وفساد كبير. وكم قد ضلَّ وأضلَّ محكِّم الحال على العلم! بل الواجب تحكيمُ العلم على الحال، وردُّ الحال إليه، فما زكَّاه شاهدُ العلم فهو المقبول، وما جرحه شاهد العلم فهو المردود. وهذه وصية أرباب الاستقامة من مشايخ الطريق رضي اللَّه عنهم، كلّهم (٣) يوصون بذلك، ويخبرون أنَّ كلّ ذوق ووجد لا يقوم عليه شاهدان اثنان من العلم فهو باطل.

ويقال ثانيًا: ليس من شرط قبول العلم بالشيء من العالم به أن يكون ذائقًا له. أفتراك لا تقبل معرفة الآلام والأوجاع وأدويتها إلا ممَّن قد مرض وتداوى بها (٤)؟ أفيقول هذا عاقل؟

ويقال ثالثًا: أتريد بالذوق أن يكون القائل قد بلغ الغاية القصوى في


(١) "ط": "عبث"، تحريف.
(٢) ما بين الحاصرتين زيادة من "ط".
(٣) "كلهم" ساقط من "ب". وسقطت معه كلمة الترضي أيضًا من "ك، ط".
(٤) "وتداوى" مكتوب في حاشية الأصل، والإشارة تدلّ على أن مكانها قبل "بها" كما أثبتنا، وفي "ف": "مرض بها وتداوى"، وفي "ب، ك، ط": "مرض بها وتداوى بها".