للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل [في الشوق]

قال أبو العبّاس: "وأمَّا الشوق فهو هبوب القلب إلى غائب، وإعواز الصبر عن فقده، وارتياح السرّ إلى طلبه؛ وهو من مقامات العوامّ. فأمَّا (١) الخواصّ فهو عندهم علَّة (٢) عظيمة؛ لأنَّ الشوق إنَّما يكون إلى غائب. ومذهب هذه الطائفة إنَّما قام على المشاهدة، والطريق عندهم أن يكون العبد غائبًا، والحقّ ظاهرًا. ولهذا المعنى لم ينطق بالشوق كتابٌ ولا سنَّةٌ صحيحة، لأنَّ (٣) الشوق مخبر عن بُعد، ومشير إلى غائب، وهو يطّلع إلى إدراك {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد/ ٤]. وقيل:

ولا معنى لشكوى الشوق يومًا ... إلى مَن لا يزولُ عن العيانِ" (٤)

اختلف النَّاس في الشوق والمحبَّة أيّهما أعلى؟ فقالت طائفة: المحبَّة أعلى من الشوق. هذا قول ابن عطاء (٥) وغيره. واحتجُّوا بأنَّ


(١) "ك، ط": "وأما".
(٢) "ط": "مخلّة"، تحريف.
(٣) "ب، ك، ط": "إلّا أنّ".
(٤) محاسن المجالس (٩٣ - ٩٤)، وانظر: منازل السائرين (٧٣).
(٥) "ط": "ابن عطاء اللَّه". وهو غلط، فإنّه أحمد بن محمد بن عبد الكريم تاج الدين الشاذلي، المعروف بابن عطاء اللَّه الإسكندري المتوفى ٧٠٩ هـ صاحب الحكم العطائية. وكان من أشد خصوم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه. الأعلام (١/ ٢٢١). والمذكور هنا أبو عبد اللَّه أحمد بن عطاء الرُّوذباري المتوفى في صور سنة ٣٦٩ هـ. كان شيخ الشام في وقته، وهو ابن أخت أبي علي الرُّوذباري. انظر: طبقات الصوفية (٤٩٧). وقوله الذي أشار إليه المؤلف هنا مذكور في الرسالة القشيرية (٣٣٠).