للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بل (١) هذا من لوازم الإيمان. وهو كاعتقاد أنَّه سبحانه حكيم رحيم عليم سميع بصير، إلى غير ذلك من صفات كماله. فلا يقال: الصبر صونُ المْلب عن اعتقاد أضدادها. هذا بعيدٌ جدًّا، وتكلُّفٌ زائد لتفسير الصبر.

وهل فهِم أحد قطّ هذا المعنى من قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا} [آل عمران/ ٢٠٠] وقوله: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} [الطور/ ٤٨] وقوله: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل/ ١٢٧] وقوله: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} [طه/ ١٣٠] وقوله (٢): {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (٤٦)} [الأنفال/ ٤٦] وسائر نصوص الصبر؟

ومن العجب جعلُ الصبر الذي هو نصف الإيمان من منازل العوام، وتفسيرُه بهذا التفسير!

نعم، يجب على كلِّ مسلم أن ينزّه ربّه (٣) سبحانه عن أن يقضي قضاءً يُنافي حكمتَه وعدلَه وفضلَه وبرَّه وإحسانه، بل كلُّ أقضيته لا تخرج عن الحكمة والرحمة والعدل والمصلحة؛ وإن كان كثير من المتكلمين ينازع في هذا الأصل ويقول: الذي ينزّه اللَّهُ عنه من الأقضية هو المستحيل الممتنع، وأمَّا الممكن فلا يقبح منه شيء. وهؤلاء لا معنى لصون القلوب (٤) عن خواطر السوءِ المتعلّقة بما يقضيه اللَّه -عندهم- إلا صونُها عن خواطر الممتنعات والمستحيلات فقط. وبالجملة هذا مقام آخر غير مقام الصبر، بل هذا باب من أبواب المعرفة والعلم، ولكلّ مقام مقال.


(١) "ف": "إنما"، خلاف الأصل. وهو ساقط من "ب".
(٢) "وقوله" ساقط من "ك، ط".
(٣) "ب، ك، ط": "ينزه اللَّه".
(٤) "ط": "لا يمكن صون القلب"، تحريف.