للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والسنَّة يدلّ على ما قاله أفضلُ الأمة وأعلمُها باللَّه وكتابه وأحكامِ الدارين أصحابُ محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-. والعقل والفطرة تشهد له، وهو مقتضى حكمة العزيز الحكيم الذي بهرت حِكَمه (١) العقول. فليس الأمر مسيَّبًا (٢) خارجًا عن الضبط والحكمة، بل مربوط بالأسباب، والحكمُ مرتَّب عليها أكملَ ترتيب، جارٍ على نظام اقتضاه السبب واستدعته الحكمة.

وأيّ طريقٍ (٣) سلكها سالك غير هذه الطريق من الطرق المتقدِّمة أفضت به إلى ترك بعض النصوص ولا بدّ، فإنَّها تتناقض في حقِّه، لما أصَّله من الأصل الذي لا يلتئم عليه جميع النصوص (٤). فلا بدَّ أن يردّ بعضَها ببعض، أو يستشكلها، أو يتطلَّب لها مستنكرَ التأويلات ووجوه التحريفات؛ كما ردَّ الخوارج والمعتزلة النصوص المتواترة الدالَّة على خروج أهل الكبائر من النَّار بالشفاعة، فكذَّبوا (٥) بها، وقالوا: لا سبيل لمن دخل النَّار إلى الخروج منها بشفاعة ولا غيرها. ولما بهرتهم نصوصُ الشفاعة، وصاح بهم أهلُ السنَّة وأئمة الإسلام من كل قطر وجانب، ورموهم بسهام الردّ عليهم، أحالوا بالشفاعة على زيادة الثواب فقط، لا على الخروج من النار. فردّوا السنَّة المتواترة قطعًا، وصاروا مضغة في أفواه الأمة وعارًا في فِرَقها. فإنَّ أمر الشفاعة أظهر عند الأمة من أن يقبل شكًّا أو نزاعًا، وهو عندهم مثل الصراط والحساب ونحوهما مما يُعلَم إخبار الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- به قطعًا. ولكن إنَّما أُتِيَ القومُ لأنَّهم في غاية


(١) "ب، ك، ط": "حكمته".
(٢) "ك، ط": "سببًا"، تحريف.
(٣) "ك، ط": "الطريق"، خطأ.
(٤) "ط": "جمع النصوص"، تحريف.
(٥) "ط": "وكذّبوا".