للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (١٤) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (١٥)} (١) [الجن/ ١٤ - ١٥]. وقال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} [الأعراف/ ١٧٩]. وقال تعالى: {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (٩٤) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (٩٥)} الشعراء/ ٩٤ - ٩٥]. وجنوده إن لم تختصّ (٢) بالشياطين فهم داخلون في عمومه.

وبالجملة فهذا أمرٌ معلوم بالاضطرار من دين الإسلام، وهو يستلزم تكليف الجنّ بشرائع الأنبياء ووجوب اتباعهم لهم. فأمَّا شريعتنا فأجمع المسلمون على أنَّ محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- بعث إلى الجنّ والإنس، وأنَّه يجب على الجنّ طاعته، كما تجب (٣) على الإنس. وأمَّا قبل نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم- فقوله تعالى: {ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ} [الأعراف/ ٣٨] يدلّ على أنَّ الأمم الخالية من كفَّار الجنّ في النَّار، وذلك إنَّما يكون بعد إقامة الحجَّة عليهم بالرسالة.

وقد دلَّت سورة الرحمن على تكليفهم بالشرائع كما كلّف الإنس، ولهذا يقول سبحانه في إثر كلِّ آية: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (١٣)}، فدلَّ ذلك على أنَّ السورة خطاب للثقلين معًا. ولهذا قرأها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على الجنّ قراءةَ تبليغ، وأخبر أصحابه أنَّهم كانوا أحسن ردًّا منهم، فإنَّهم جعلوا يقولون كلَّما قرأ عليهم {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (١٣)}: لا نكذِّب بشيءٍ من آلائك ربَّنا فلك الحمد (٤).


(١) أثبت الآية في "ك، ط" باختصار.
(٢) "ك، ط": "يختص".
(٣) "ك، ط": "يجب".
(٤) أخرجه الترمذي (٣٢٩١)، والحاكم (٢/ ٤٧٣)، وأبو الشيخ في العظمة =