للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (١٨)} (١) [الأحقاف/ ١٨] فأخبر أنَّ منهم من حقَّ عليه القول، أي: وجب عليه العذاب، وأنَّه خاسر، ولا يكون ذلك إلا في أهل التكليف المستوجبين للعقاب (٢) بأعمالهم. ثمَّ قال بعد ذلك {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} [الأحقاف/ ١٩] أي: في الخير والشرّ يُوفَّونها ولا يُظلمون شيئًا من أعمالهم. وهذا ظاهر جدًّا في ثوابهم وعقابهم، وأنَّ مسيئهم كما يستحقّ العذاب بإساءته، فمحسنهم يستحقّ الدرجات بإحسانه، فلكلٍّ (٣) درجاتٌ ممَّا عملوا. فدلّ ذلك لا محالة أنَّهم كانوا مأمورين بالشرائع، متعبِّدين بها في الدنيا، ولذلك استحقُّوا الدرجات بأعمالهم في الآخرة في الخير والشرّ.

وقال تعالى: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (٢٥)} (٤) [فصلت/٢٥].

ومعنى الآية: أنَّ اللَّه قيَّض للمشركين -أي: سبَّب لهم- قرناءَ من الشياطين يزيّنون لهم ما بين أيديهم من اللذات في الدنيا (٥)، وما خلفهم من التكذيب بالآخرة وما فيها من الثواب والعقاب.

وقيل عكس هذا، وأنَّ ما بين أيديهم هو التكذيب بالآخرة، وما


(١) لم يثبت في "ك": "كانوا خاسرين"، وكتب مكانها "الآية"، وكذا في "ط".
(٢) "ك، ط": "العقاب".
(٣) "ك، ط": "ولكل".
(٤) هنا أيضًا نقل الآية في "ك" إلى "والإنس" ثم كتب: "الآية". وكذا في "ط".
(٥) "من اللذات في الدنيا" ساقطة من "ك، ط".