للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا أسلم الكافر أثناء يوم من رمضان، فإنه يلزمه إمساك بقية اليوم (١)، ولا يجب عليه قضاؤه (٢)، (٣)، وهو مذهب الحنفية (٤)، واختاره ابن عثيمين (٥).

الأدلة:

أولاً: من الكتاب:

عموم قوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة: ١٨٥]

وجه الدلالة: أن الكافر بإسلامه صار من أهل الشهادة للشهر، فوجب عليه الإمساك.

ثانياً: من السنة:

عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: ((أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من أسلم أنْ أذِّن في الناس أنَّ من كان أكل فليصم بقية يومه، ومن لم يكن أكل فليصم؛ فإن اليوم يوم عاشوراء)). أخرجه البخاري ومسلم (٦).

وجه الدلالة:

أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة رضي الله عنهم بالإمساك نهاراً، ولم يأمرهم بالقضاء، وذلك لما أوجب الله عز وجل صوم يوم عاشوراء في أول الأمر.

الفرع الثاني: إسلام الكافر المرتد

المسألة الأولى: إذا أسلم المرتد فليس عليه قضاء ما تركه من الصوم زمن ردته

إذا أسلم المرتد فليس عليه قضاء ما تركه من الصوم زمن ردته (٧)، وهو قول الجمهور من الحنفية (٨)، والمالكية (٩)، والحنابلة (١٠).

الأدلة:

أولاً: من الكتاب:

قوله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الأنفال: ٣٨]

فإن الآية تتناول كل كافر سواء كان أصليًّا أم مرتدًّا (١١).

ثانياً: من السنة:


(١) وذلك لأنه صار من أهل الوجوب حين إسلامه؛ فيمسك تشبهاً بالصائمين وقضاءً لحق الوقت.
(٢) قال ابن قدامة: (وقال مالك وأبو ثور وابن المنذر لا قضاء عليه لأنه لم يدرك من زمن العبادة ما يمكنه التلبس بها فيه فأشبه ما لو أسلم بعد خروج اليوم، وقد روي ذلك عن أحمد) ((المغني)) (٣/ ٤٦).
(٣) وذلك لانعدام أهلية العبادة في أول النهار؛ حيث لم يكن من أهل الوجوب؛ ولأن الصوم لا يتجزأ، فإذا لم يجب البعض لم يجب الباقي، فما دام أنه في أول النهار ليس أهلاً للوجوب، فليس أهلاً للوجوب في آخره، فلا يجب عليه القضاء.
(٤) ((المبسوط للسرخسي)) (٣/ ٧٤)، ((تبيين الحقائق للزيلعي)) (١/ ٣٣٩).
(٥) قال ابن عثيمين: (يلزمه أن يمسك بقية اليوم الذي أسلم فيه؛ لأنه صار الآن من أهل الوجوب فلزمه، وهذا بخلاف ارتفاع المانع فإنه إذا ارتفع المانع، لم يلزم إمساك بقية اليوم، مثل أن تطهر المرأة من حيضها في أثناء النهار، فإنه لا يلزمها أن تمسك بقية النهار، وكذلك لو برأ المريض المفطر من مرضه في أثناء النهار، فإنه لا يلزمه الإمساك؛ لأن هذا اليوم قد أبيح له فطره، مع كونه من أهل الالتزام أي مسلماً بخلاف الذي طرأ إسلامه في أثناء النهار فإنه يلزمه الإمساك ولا يلزمه القضاء) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (١٩/ ٩٧).
(٦) رواه البخاري (٢٠٠٧)، ومسلم (١١٣٥).
(٧) وذلك لأن في إلزامه بقضاء ما ترك تنفيراً له من العودة إلى الإسلام. كما أنه لا يجب عليه شيء من العبادات لعدم خطاب الكفار بالشرائع فلا يقضي ما فاته زمن ردته بعد إسلامه.
(٨) قال ابن نجيم: (ومنها أنه لا يجب عليه شيء من العبادات عندنا لعدم خطاب الكفار بالشرائع عندنا فلا يقضي ما فاته زمن ردته بعد إسلامه) ((البحر الرائق لابن نجيم)) (٥/ ١٣٧)، ((الفتاوى الهندية)) (١/ ١٢١).
(٩) ((الكافي لابن عبد البر)) (٢/ ١٠٩٠).
(١٠) قال المرداوي: (وإن كان مرتداً فالصحيح من المذهب أنه يقضي ما تركه قبل ردته ولا يقضي ما فاته زمن ردته) ((الإنصاف للمرداوي)) (١/ ٣٩١).
(١١) قال ابن تيمية: (قوله تعالى: قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف يتناول كل كافر) ((الفتاوى الكبرى)) (٢/ ٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>