للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من جامع ناسياً، فصومه صحيح ولا يلزمه شيء، ذهب إلى ذلك الحنفية (١)، والشافعية (٢)، وهو قول طائفة من السلف (٣)، واختاره ابن تيمية (٤)، وابن القيم (٥)، والصنعاني (٦)، والشوكاني (٧).

الأدلة:

أولا: من السنة:

١ - ما ورد عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: ((من أفطر في شهر رمضان ناسيا فلا قضاء عليه ولا كفارة)). (٨)

وجه الدلالة:

أن الفطر هنا أعم من أن يكون بأكل أو شرب فيشمل الجماع.

٢ - الأحاديث الواردة في الكفارة في الجماع في بعضها ((هلكت))، وفي بعضها ((احترقت احترقت))، وهذا لا يكون إلا في عامد، فإن الناسي لا إثم عليه بالإجماع.

ثانيا: القياس

القياس على الأكل والشرب ناسياً، فالحديث صح أن أكل الناسي لا يفطر والجماع في معناه، وإنما خص الأكل والشرب بالذكر لكونهما أغلب وقوعا، ولعدم الاستغناء عنهما غالبا.

الفرع الخامس: حكم من تكرر منه الجماع في يوم واحد

من تكرر منه الجماع في يوم واحد يكفيه كفارة واحدة إذا لم يكفر، بلا خلافٍ بين أهل العلم (٩)؛ وذلك لأنه أبطل صيام يوم واحد ولم يكفر فتتداخل الكفارات لأن الموجب لها واحد.

- أما إذا تكرر منه الجماع في يوم واحد وكفر عن الأول فلا تلزمه كفارة ثانية، عند الجمهور: أبي حنيفة (١٠)، ومالك (١١)، والشافعي (١٢)؛ وذلك لأنه لم يصادف صوما منعقدا، فلم يوجب شيئا، بخلاف المرة الأولى، فالجماع الثاني ورد على صوم غير صحيح، فهو لا يسمى صائما.

الفرع السادس: حكم من تكرر منه الجماع في يومين فأكثر


(١) ((المبسوط للسرخسي)) (٣/ ٦١)، (فتح القدير للكمال ابن الهمام)) (٢/ ٣٣٨).
(٢) ((الأم للشافعي)) (٢/ ١٠٩)، ((المجموع للنووي)) (٦/ ٣٢٤)، ((روضة الطالبين للنووي)) (٢/ ٣٧٤).
(٣) نقل ابن المنذر هذا القول عن مجاهد والحسن البصري والثوري والشافعي وإسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي. ((الإشراف)) (٣/ ١٠٩).
(٤) قال ابن تيمية (والمجامع الناسي فيه ثلاثة أقوال فى مذهب أحمد وغيره، ويذكر ثلاث روايات عنه: أحدهما: لا قضاء عليه ولا كفارة وهو قول الشافعي وأبي حنيفة والأكثرين والثانية: عليه القضاء بلا كفارة وهو قول مالك, والثالثة: عليه الأمران وهو المشهور عن أحمد, والأول أظهر) ((مجموع الفتاوى)) (٢٥/ ٢٢٦).
(٥) قال ابن القيم: (وطرده أيضا أن من جامع في إحرامه أو صيامه ناسيا لم يبطل صيامه ولا إحرامه) ((إعلام الموقعين)) (٢/ ٥٤).
(٦) قال الصنعاني: ( .... الحديث دليلٌ على أن من أكل أو شرب أو جامع ناسيا لصومه فإنه لا يفطره ذلك لدلالة قوله فليتم صومه على أنه صائم حقيقة). ((سبل السلام)) (٢/ ١٦٠).
(٧) قال الشوكاني: (واعلم أن من فعل شيئاً من المفطرات كالجماع ناسياً فله حكم من أكل أو شرب ناسياً ولا فرق بين مفطر ومفطر) ((السيل الجرار)) (١/ ٢٨٥).
(٨) رواه الحاكم (١/ ٥٩٥)، والبيهقي (٤/ ٢٢٩) (٨٣٣٠). قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وقال النووي في ((المجموع)) (٦/ ٣٢٤): إسناده صحيح أو حسن، وقال ابن الملقن في ((شرح صحيح البخاري)) (١٣/ ٢٢٠): له متابعة، وحسن إسناده الألباني في ((إرواء الغليل)) (٤/ ٨٧).
(٩) قال ابن عبدالبر: (وأجمعوا على أن من وطئ في يوم واحد مرتين أو أكثر أنه ليس عليه إلا كفارة واحدة) ((التمهيد)) (٧/ ١٨١). قال ابن قدامة: (فإن كان في يوم واحد [يعني الجماع ثانيا قبل التكفير عن الأول] فكفارة واحدة تجزئه بغير خلاف بين أهل العلم) ((المغني)) (٣/ ٣٢).
(١٠) ((المبسوط للسرخسي)) (٣/ ٦٩)، ((بدائع الصنائع للكاساني)) (٢/ ١٠١).
(١١) ((المدونة)) (١/ ٢٨٥)، ((الذخيرة للقرافي)) (٢/ ٥١٩).
(١٢) ((الأم للشافعي)) (٢/ ١٠٨)، ((المجموع للنووي)) (٦/ ٣٣٦، ٣٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>