للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أثبت له ثواب ما قدم من أعمال صالحة حال كفره، بعد أن أسلم، فمن باب أولى ثبوت الأعمال التي قدمها المرء حال إسلامه قبل ارتداده إذا عاد إلى الإسلام (١).

المبحث الثاني: العقل

العقل شرطٌ في وجوب الحج وإجزائه، فلا يجب على المجنون، ولا تجزئ عن حجة الإسلام إن وقعت منه.

أولاً: من السنة:

عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل)) (٢).

ثانياً: الإجماع:

أجمع أهل العلم على عدم وجوب الحج على المجنون، نقل ذلك ابنُ قدامة (٣)، والنوويُّ (٤)، والمرداوي (٥)، وأجمعوا كذلك على أنه لو حج فإنه لا يجزئه عن حجة الفريضة، نقل ذلك ابن المنذر (٦).

ثالثاً: أن المجنون ليس من أهل العبادات، فلا يتعلق التكليف به كالصبي (٧).

رابعاً: أن الحج لابد فيه من نية وقصد، ولا يمكن وجود ذلك في المجنون (٨).

مسألة: هل العقل شرط صحة؟

اختلف أهلُ العلم في صحة حج المجنون على قولين:

القول الأول: يصح الحج من المجنون بإحرام وليه عنه، وهو مذهب الجمهور من الحنفية (٩)، والمالكية في المشهور (١٠)، والشافعية (١١).

دليل ذلك:

القياس على صحة حج الصبي الذى لا يميز في العبادات (١٢).

القول الثاني: لا يصح الحج من المجنون ولو أحرم عنه وليه وهو مذهب الحنابلة (١٣)، وقول للحنفية (١٤)، وقول للمالكية (١٥)، ووجه للشافعية (١٦)، واختاره ابن عثيمين (١٧).

الأدلة:

أولاً: من السنة:


(١) ينظر: ((المجموع)) للنووي (٣/ ٤).
(٢) رواه أبو داود (٤٣٩٨)، والنسائي (٦/ ١٥٦)، وابن ماجه (١٦٧٣)، وأحمد (٦/ ١٠٠) (٢٤٧٣٨) واللفظ له، والدارمي (٢/ ٢٢٥) (٢٢٩٦)، وابن حبان (١/ ٣٥٥) (١٤٢)، والحاكم (٢/ ٦٧)، والبيهقي (٦/ ٨٤) (١١٧٨٦). احتج به ابن حزم في ((المحلى)) لابن حزم (٨/ ٢٧٩)، وصححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (٣/ ٣٩٢)، وقال الحاكم: (صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه)، وصحح إسناده عبدالحق في ((الأحكام الصغرى)) (٧٦٧)، وصحح الحديث الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (١٦٧٣).
(٣) قال ابن قدامة: (جملة ذلك أن الحج إنما يجب بخمس شرائط: الإسلام، والعقل، والبلوغ، والحرية، والاستطاعة، لا نعلم في هذا كله اختلافا). ((المغني)) لابن قدامة (٣/ ٢١٣).
(٤) قال النووي: (أجمعت الامة على أنه لا يجب الحج على المجنون). ((المجموع)) للنووي (٧/ ٢٠).
(٥) قال المرداوي: (لا يجب الحج على المجنون إجماعاً). ((الإنصاف)) للمرداوي (٣/ ٢٧٦).
(٦) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن المجنون إذا حُج به ثم صح، أو حُج بالصبي ثم بلغ، أن ذلك لا يجزئهما عن حجة الإسلام). ((الإجماع)) لابن المنذر (ص: ٦٠).
(٧) ((المجموع)) للنووي (٧/ ٢٠)، ((المغني)) لابن قدامة (٣/ ٢١٣).
(٨) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (٢٤/ ٢٥٥).
(٩) ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (٢/ ٥)، ((حاشية ابن عابدين)) (٢/ ٤٥٩).
(١٠) ((مواهب الجليل)) للحطاب (٣/ ٤٢٦)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (١/ ٥١٧).
(١١) ((المجموع)) للنووي (٧/ ٢٠)، ((نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج)) (٣/ ٢٩٨).
(١٢) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (٥٣/ ٢٠٣).
(١٣) ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (٣/ ٢٦)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (٢/ ٣٧٨).
(١٤) ((حاشية ابن عابدين)) (٢/ ٤٥٩).
(١٥) ((مواهب الجليل)) للحطاب (٣/ ٤٢٦).
(١٦) ((المجموع)) للنووي (٧/ ٢٠).
(١٧) قال ابن عثيمين: (أما المجنون فلا يلزمه الحج ولا يصح منه، ولو كان له أكثر من عشرين سنة؛ لأنه غير عاقل، والحج عمل بدني يحتاج إلى القصد). ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (٧/ ٩)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (٢٤/ ٢٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>