للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - قوله تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ [النحل: ١٠٦]

وجه الدلالة:

أن الكفر إذا كان يسقط موجبه بالإكراه، فما دونه من باب أولى.

٤ - قوله تعالى في قتل الصيد: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة: ٩٥].

وجه الدلالة:

أن قوله: مُتَعَمِّدًا وصفٌ مناسبٌ للحكم، فوجب أن يكون معتبراً؛ لأن الأوصاف التي عُلِّقت بها الأحكام إذا تبين مناسبتها لها صارت علةً موجبة، يوجد الحكم بوجودها، وينتفي بانتفائها، وإلا لم يكن للوصف فائدة.

ثانياً: من السنة:

١ - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرفوعاً: ((أين الذي سأل عن العمرة؟ فأتي بالرجل، فقال: اغسل الطيب الذي بك ثلاث مرات، وانزع عنك الجبة، واصنع في عمرتك كما تصنع في حجتك، قلت لعطاء: أراد الإنقاء، حين أمره أن يغسل ثلاث مرات؟ قال: نعم)) رواه البخاري (١).

وجه الدلالة:

أنه لم يأمر الرجل الذي لبس الجبة وتضمخ بالطيب بالكفارة؛ وذلك بسبب جهله بالحكم، واكتفى بأمره أن ينزع الجبة، وأن يغسل عنه أثر الطيب.

٢ - عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)) (٢).

ثالثاً: من الآثار:

عن قبيصة بن جابر الأسدي: ((أنه سمع عمر بن الخطاب, ومعه عبدالرحمن بن عوف, وعمر يسأل رجلا قتل ظبياً وهو محرم فقال له عمر: عمداً قتلته أم خطأ؟ فقال له الرجل: لقد تعمدت رميه وما أردت قتله, فقال له عمر: ما أراك إلا أشركت بين العمد والخطأ; اعمد إلى شاةٍ فاذبحها، فتصدق بلحمها وأسق (٣) إهابها)) (٤).

وجه الدلالة:

أنه لو كان العمد والخطأ في ذلك سواء عند عمر؛ لما سأله أعمداً قتلته أم خطأ، وكان ذلك فضولاً من السؤال لا معنى له (٥).

رابعاً: أن الكفارة إنما تجب إذا وقعت الجناية بارتكاب المحظور؛ لفداء النفس من المخالفة وللتكفير عن الذنب، ومع الجهل أو النسيان أو الإكراه لا جناية؛ لأنهم لم يتعمدوا المخالفة فلا معنى للكفارة (٦).

خامساً: القياس على الأكل أو الشرب ناسياً في نهار رمضان، فإنه لا يفسد الصوم ولا قضاء فيه.

سادساً: أن ما سوى هذا القول ظاهر الفساد والتناقض، فما يرخص به أحدهم في حال، يمنعه الآخر (٧).

المطلب السابع: تكرار المحظور

تكرار المحظور له ثلاث أحوال:


(١) رواه البخاري (١٥٣٦).
(٢) رواه ابن ماجه (٢٠٤٥) بلفظ: (وضع) بدلاً من (تجاوز لي)، والحاكم (٢/ ١٩٨)، والبيهقي (٧/ ٣٥٦). قال الحاكم: هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وحسنه النووي في ((الأربعين النووية)) (٣٩)، وقال ابن كثير في ((تحفة الطالب)) (٢٣٢): إسناده جيد، وحسنه ابن حجر في ((التلخيص الحبير)) (١/ ٢٨١)، وقال الشوكاني في ((فتح القدير)) (١/ ٤٦١): لا تقصر عن رتبة الحسن لغيره، وصححه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (٢٠٤٥).
(٣) أي: أعط جلدها من يتخذه سقاء. ((النهاية)) لابن الأثير (مادة: سقا).
(٤) رواه الطبري في ((تفسيره)) (١٠/ ٢٤)، وصحح إسناده أحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (١/ ٧٣٣).
(٥) ((المحلى)) لابن حزم (٧/ ٢١٤).
(٦) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (٧/ ١٩٨ - ٢٠٠).
(٧) ((المحلى)) لابن حزم (٧/ ٢٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>