للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحال الأولى: إذا كرر محظوراً من جنسٍ واحد، كلبس قميص، ولبس سراويل، ولم يفد فإنه يفدي مرةً واحدة، وهو مذهب الحنابلة (١)، وبه قال محمد بن الحسن الشيباني من الحنفية (٢)، وهو قول الشافعي في القديم (٣)، واختاره ابن باز (٤)، وابن عثيمين (٥).

الأدلة:

أولاً: من الكتاب:

قوله تعالى: وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة: ١٩٦].

وجه الدلالة:

أن الله تعالى أوجب لحلق الرأس فديةً واحدة، ولم يفرق بين ما وقع في دفعةٍ أو دفعات، ثم إن الحلق لا يكون إلا شيئاً بعد شيء، فهو ارتكاب محظوراتٍ متتاليةٍ من جنسٍ واحد، ومع ذلك لم يوجب فيه إلا فدية واحدة (٦).

ثانياً: أن ما تداخل متتابعاً، كحلق شعرات، تداخل متفرقاً، كالأحداث والحدود (٧).

أدلة أنه إن كفر عن الأول ثم ارتكب المحظور أنه يلزمه فديةٌ أخرى:

١ - أنه بالمحظور الثاني صادف إحراماً؛ فوجبت فيه الفدية، كما وجبت على المحظور الأول، وقياساً على الحدود والأيمان (٨).

٢ - أنه لما كفر للأول فقد التحق المحظور الأول بالعدم؛ فيعتبر الثاني محظوراً آخر مبتدأ، كما إذا جامع في يومين من شهر رمضان (٩).

الحال الثانية: أن يكون المحظور من أجناسٍ مختلفة، كطيبٍ ولبس مخيطٍ، فإنه يفدي لكل محظور، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعةربعةأربعة: الحنفية (١٠)، والمالكية (١١)، والشافعية (١٢)، والحنابلة (١٣).

الأدلة:

أولاً: أنها محظوراتٌ مختلفة الأجناس، فلم تتداخل أجزاؤها كالحدود المختلفة (١٤).

ثانياً: أن السبب الموجب للكفارة الثانية غير عين السبب الموجب للكفارة الأولى، أشبه ما لو حلف ثم حنث وكفر، ثم حلف وحنث (١٥).


(١) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (٣/ ٣٤٢)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (٣/ ١١٦).
(٢) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (٣/ ٣٢) ((حاشية ابن عابدين)) (٢/ ٥٤٥)
(٣) ((المجموع)) للنووي (٧/ ٣٨٢).
(٤) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (١٧/ ١٦٧).
(٥) قال ابن عثيمين: (إذا كرر الإنسان المحظور من جنسٍ واحد، ففعله أكثر من مرة ولم يفد، فإنه يفدي مرةً واحدة، لكن بشرط ألا يؤخر الفدية؛ لئلا تتكرر عليه، بحيث يفعل المحظور مرةً أخرى، فيعاقب بنقيض قصده، لئلا يتحيل على إسقاط الواجب، مثاله: أن يقلم مرتين، أو يلبس مخيطاً مرتين، أو يحلق مرتين، أو يباشر مرتين أو أكثر، وهو من جنسٍ واحد، فإن عليه فدية واحدة إذا لم يفد؛ قياساً على ما إذا تعددت أحداثٌ من جنسٍ واحد فيكفيه وضوءٌ واحد) ((الشرح الممتع)) (٧/ ١٩٠).
(٦) ((الفروع)) لابن مفلح (٥/ ٥٣٦)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (١/ ٥٥٦).
(٧) ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (٣/ ١١٦).
(٨) ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (٣/ ١١٦).
(٩) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (٢/ ١٨٩).
(١٠) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (٢/ ١٩٤) ((الفتاوى الهندية)) (١/ ٢٤٤).
(١١) ((المدونة الكبرى)) لسحنون (١/ ٤٠٨)، ((التاج والإكليل)) للمواق (٣/ ١٦٨).
(١٢) يستثنى حالة واحدة فقط، وهي ما إذا لبس ثوباً مطيَّباً، ففيه وجهان عندهم، الصحيح المنصوص أن فيه فدية واحدة. ((المجموع)) للنووي (٧/ ٣٨٢)، ((روضة الطالبين)) للنووي (٣/ ١٧٢).
(١٣) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (٣/ ٣٤٢)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (٣/ ١١٦).
(١٤) ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (٣/ ١١٧)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (١/ ٥٥٧).
(١٥) ((كشاف القناع)) للبهوتي (٢/ ٤٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>