للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانياً: أن عدد أشواط السعي محددةٌ من قبل الشرع، والنقص عن الحد مبطل، كما أن النقص عن عدد كل صلاةٍ عمداً مبطلٌ لها (١).

ثالثاً: أن عليه عمل الناس، كما نقل ذلك النووي (٢).

الشرط الرابع: أن يكون بعد الطواف

اختلف أهل العلم في اشتراط تقدم الطواف على السعي على قولين:

القول الأول: يشترط في صحة السعي أن يقع بعد الطواف، وهذا باتفاق المذاهب الأربعة: الحنفية (٣)، والمالكية (٤)، والشافعية (٥)، والحنابلة (٦).

الأدلة:

أولاً: من السنة:

١ - عن ابن عمر رضي الله عنهما: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف في الحج أو العمرة أول ما يقدم، سعى ثلاثة أطواف، ومشى أربعة، ثم سجد سجدتين، ثم يطوف بين الصفا والمروة)) (٧).

وجه الدلالة:

أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقدِّم الطواف على السعي بدلالة كلمة (ثم) وقد قال: ((لتأخذوا مناسككم)) (٨)، وفعلُهُ في المناسك يفيد الوجوب.

٢ - عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: ((حاضت عائشة رضي الله عنها، فنسكت المناسك كلها غير أنها لم تطف بالبيت، فلما طهرت طافت بالبيت، قالت: يا رسول الله، تنطلقون بحجةٍ وعمرة، وأنطلق بحج! فأمر عبدالرحمن بن أبي بكر أن يخرج معها إلى التنعيم، فاعتمرت بعد الحج)) (٩)، وفي روايةٍ عن عائشة رضي الله عنها: ((فقدمتُ مكة وأنا حائض، ولم أطف بالبيت، ولا بين الصفا والمروة)) (١٠).

وجه الدلالة:

أنه لولا اشتراط تقدم الطواف على السعي؛ لفعلت في السعي مثل ما فعلت في غيره من المناسك؛ فإنه يجوز لها السعي من غير طهارة (١١).

ثانياً: الإجماع:

نقل الإجماع على ذلك السرخسي (١٢)، والماوردي (١٣)، وأقره النووي (١٤).


(١) قال ابن المنذر: (فلما كان النبي صلى الله عليه وسلم المنبئ عن الله عز وجل أن فرض صلاة الظهر أربع ركعات، كذلك هو المنبئ عن الله أن فرض الطواف سبع، ولا يجزئ أقل منه؛ لأن الله عز وجل قال: فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ الآية، وقال: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ الآية فبين النبي صلى الله عليه وسلم عدد ذلك كله) ((الإشراف)) (٣/ ٢٨٠).
(٢) قال النووي: (وعليه عمل الناس، وبه تظاهرت الأحاديث الصحيحة) ((المجموع)) للنووي (٨/ ٧١).
(٣) ((المبسوط)) للسرخسي (٤/ ٤٦)، ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (٢/ ٦١).
(٤) زاد المالكية أن السعي لا بد أن يكون بعد طوافٍ واجب، وإنما صحَّ بعد طواف القدوم عندهم لقولهم بوجوبه. ((الذخيرة)) للقرافي (٣/ ٢٥٢)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (٤/ ١١٨).
(٥) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (٤/ ١٥٧)، ((المجموع)) للنووي (٨/ ٧٢) ..
(٦) ((المغني)) لابن قدامة (٣/ ٣٥٢)، ((شرح العمدة)) لابن تيمية (٣/ ٦٣٩).
(٧) رواه البخاري (١٦١٦).
(٨) رواه مسلم (١٢٩٧)
(٩) رواه البخاري (١٦٥١).
(١٠) رواه البخاري (١٥٥٦)، ومسلم (١٢١١).
(١١) ((إحكام الأحكام)) لابن دقيق العيد (ص: ٣٢٨)، ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (٢٣/ ٣٥٥).
(١٢) قال السرخسي: ((إنما عرف قربة بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما سعى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الطواف، وهكذا توارثه الناس من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا) ((المبسوط)) (٤/ ٤٦).
(١٣) قال الماوردي: (فإذا ثبت وجوب السعي فمن شرط صحته أي السعي أن يتقدمه الطواف، وهو إجماعٌ ليس يُعرَف فيه خلافٌ بين الفقهاء) ((الحاوي الكبير)) (٤/ ١٥٧).
(١٤) قال النووي: (شذَّ إمام الحرمين فقال في كتاب الأساليب: قال بعض أئمتنا لو قدم السعي على الطواف اعتد بالسعي. وهذا النقل غلطٌ ظاهر، مردودٌ بالأحاديث الصحيحة وبالإجماع الذي قدمناه عن نقل الماوردي) ((المجموع)) (٨/ ٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>