للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يجب الوقوف بعرفة لمن وافاها نهارًا إلى غروب الشمس، ولا يجوز له الدفع قبل الغروب، فإن دفع أجزأه الوقوف وعليه دم، وهذا مذهب الحنفية (١) والحنابلة (٢) وهو قول للمالكية (٣)، والشافعية (٤)، واختاره اللخمي وابن العربي، ومال إليه ابن عبدالبر (٥) وهو اختيار ابن باز (٦) واستحسنه ابن عثيمين (٧).

الأدلة:

أولاً: من السنة:

حديث جابر: ((حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء. فرحلت له. فأتي بطن الوادي. فخطب الناس ... ثم أذن. ثم أقام فصلى الظهر. ثم أقام فصلى العصر. ولم يصل بينهما شيئاً. ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم. حتى أتى الموقف)) (٨)

وجه الدلالة:

أن مكث النبي صلى الله عليه وسلم فيها إلى الغروب مع كون الدفع بالنهار أرفق بالناس يدل على وجوبه لأنه لو كان جائزاً لاختاره النبي صلى الله عليه وسلم فإنه: ((ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً)) (٩).

ثانياً: أن تأخير الرسول صلى الله عليه وسلم الدفع إلى ما بعد غروب الشمس، ثم مبادرته به قبل أن يصلي المغرب مع أن وقت المغرب قد دخل يدل على أنه لا بد من البقاء إلى هذا الوقت (١٠).

ثالثاً: أن في الدفع قبل الغروب مشابهة لأهل الجاهلية حيث يدفعون قبل غروب الشمس، إذا كانت الشمس على رؤوس الجبال، كعمائم الرجال على رؤوس الرجال (١١).

رابعاً: أنه لو كان جائزًا لرخص النبي صلى الله عليه وسلم للضعفة أن يتقدموا من عرفة إلى مزدلفة قبل الغروب.

المسألة الثالثة: حكم من دفع قبل غروب شمس التاسع ثم عاد قبل فجر العاشر


(١) ((شرح فتح القدير)) لابن الهمام (٢/ ٤٧٨)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (٢/ ٣٦٦).
(٢) ((المغني)) لابن قدامة (٣/ ٣٧٠).
(٣) ((مواهب الجليل)) للحطاب (٤/ ١٣٢)،
(٤) ((روضة الطالبين)) للنووي (٣/ ٩٧)، ((نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج)) الرملي (٣/ ٢٩٩).
(٥) قال ابن عبدالبر: (لا نعلم أحدًا من فقهاء الأمصار قال بقول مالك، ولا روينا عن أحد من السلف، وقال سائر العلماء: كل من وقف بعرفة بعد الزوال أو في ليلة النحر فقد أدرك الحج) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (١٠/ ٢١)، وينظر: ((مواهب الجليل)) للحطاب (٤/ ١٣٢).
(٦) قال ابن باز: (من وقف بعد الزوال أجزأه فإن انصرف قبل المغرب فعليه دم إن لم يعد إلى عرفة ليلا ًأعني ليلة النحر) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (١٦/ ١٤٢).
(٧) قال ابن عثيمين: (ولو قيل بالقول الثالث الذي يلزمه الدم إذا دفع قبل الغروب مطلقاً، إلا إذا كان جاهلاً ثم نبه فرجع ولو بعد الغروب فلا دم عليه، لكان له وجه؛ وذلك لأنه إذا دفع قبل الغروب فقد تعمد المخالفة فيلزمه الدم بالمخالفة، ورجوعه بعد أن لزمه الدم بالمخالفة لا يؤثر شيئاً، أما إذا كان جاهلاً ودفع قبل الغروب، ثم قيل له: إن هذا لا يجوز فرجع ولو بعد الغروب، فإنه ليس عليه دم، وهذا أقرب إلى القواعد مما ذهب إليه المؤلف) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (٧/ ٣٠١).
(٨) رواه مسلم (١٢١٨)
(٩) رواه البخاري (٦٧٨٦)، انظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (٧/ ٣٨٧، ٣٨٨).
(١٠) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (٧/ ٣٨٨، ٣٨٩).
(١١) ((شرح فتح القدير)) لابن الهمام (٢/ ٤٧٧)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (٧/ ٣٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>