للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويتقيد هذا اللجوءُ إلى القانون الوضعي بمقيِّداتٍ حاكمةٍ وقواعدَ ضابطةٍ، منها:

١ - تعذر استخلاص الحق أو الوصول إليه إلَّا بهذه الطريقة فحسب.

٢ - الاقتصار على المطالبة بالحق فحسب وأخذه عند الحكم به من غير زيادة.

٣ - كراهة القلب للاحتكام إلى غير القضاء الشرعي.

٤ - بقاء هذا الترخص في دائرة الضرورة بالمعنى العام، والذى يشمل الضرورة والحاجة.

وأمَّا ما يدلُّ على القيد الأول: تعذر استخلاص الحقوق أو دفع المظالم عن طريق القضاء الشرعي، فهو أنه إذا أمكن استخلاص الحق أو دفع المظلمة عن طريق القضاء الشرعي لم تكن هناك ضرورة تُلجئ إلى التحاكم إلى القانون الوضعي الّذي حكمُهُ التحريمُ -كما تقدَّم- لغير الضرورة.

وأما ما يدلُّ على القيد الثاني: معرفةُ حكم الشرع في النازلة وعدم المطالبة بزيادة، فهو أن المطالبة بزيادة على حكم الشرع ظلم، والظلم حرام، دلَّ على ذلك الكتاب والسنة والإجماع، فمن أدلة الكتاب: قوله تعالى: {أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [الأعراف: ٤٤]، ومن أدلة السنة: الحديث القدسي: "إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرَّمًا فلا تظالموا" (١)، ومن دلائل ذلك: أن المسلم يجب عليه في حالة سلوك الوسيلة المباحة -وهي التحاكم إلى الشرع- ألَّا يأخذ مالَ غيرِهِ وإن حكمَ لَهُ به الحاكم الشرعي؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما أنا بشر، وإنه يأتيني الخصم، فلعلَّ بعضَكُمْ أن يكون أبلغ من بعض، فأحسبُ أنه صادق فأقضي له بذلك، فمن قضيتُ له بحق مسلم، فإنما هي قطعة من النار، فليأخذْهَا أو ليتركْهَا" (٢)، فمن باب أولى لا يبيح له حكم الحاكم غير الشرعي أن يظلم غيره.


(١) سبق تخريجه.
(٢) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>