للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالسعيد من تمسك بما كان عليه السلف، واجتنب ما أحدثه الخلف" (١).

خامسًا: درء التعارض بين صحيح النقل وصريح العقل:

مما ينبغي اعتقاده أن نصوص الكتاب والسنة الصحيحة والصريحة في دلالتها، لا يعارضها شيء من المعقولات الصريحة؛ ذلك أن العقل شاهد بصحة الشريعة إجمالًا وتفصيلًا.

فأمَّا الإجمال، فمن جهة شهادة العقل بصحة النبوة، وصدق الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فيلزم من ذلك تصديقه في كل ما يخبر به من الكتاب والحكمة.

وأما التفصيل، فمسائل الشريعة ليس فيها ما يَرُدُّهُ العقل؛ بل كل ما أدركه العقل من مسائلها فهو يشهد له بالصحة تصديقًا وتعضيدًا، وما قصر العقل عن إدراكه من مسائلها، فهذا لعظم الشريعة، وتفوقها، ومع ذلك فليس في العقل ما يمنع وقوع تلك المسائل التي عجز العقل عن إدراكها، فالشريعة قد تأتي بما يحير العقول لا بما تحيله العقول.

فإن وُجِدَ ما يوهم التعارض بين العقل والنقل، فإما أن يكون النقل غير صحيح، أو يكون صحيحًا ليس فيه دلالة صحيحة على المدَّعَى، وإما أن يكون العقل فاسدًا بفساد مقدماته.

"والمقصود هو بيان أنه إذا ظهر تعارض بين الدليلين النقلي والعقلي، فلا بدَّ من أحد ثلاثة احتمالات:

الأول: أن يكون أحد الدليلين قطعيًّا، والآخر ظنيًّا، فيجب تقديم القطعي نقليًّا كان، أو عقليًّا، وإن كانا ظنِّيين فالواجب تقديم الراجح، عقليًّا كان، أو نقليًّا.

الثاني: أن يكون أحد الدليلين فاسدًا، فالواجب تقديم الدليل الصحيح على الفاسد سواء أكان نقليًّا، أم عقليًّا.

الثالث: أن يكون أحد الدليلين صريحًا والآخر ليس بذاك، فهنا يجب تقديم الدلالة


(١) فتح الباري، لابن حجر، (١٣/ ٢٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>