للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرابع: أن يبيِّن سلامة الدليل الصارف عن المعارض؛ إذ دليل إرادة الحقيقة والظاهر قائم، وهو إما قطعيٌّ، وإما ظاهر، فإن كان قطعيًّا لم يُلتفت إلى نقيضه، وإن كان ظاهرًا فلا بدَّ من الترجيح (١).

ومما يدلُّ على إعمال الظواهر: أنه لا يتم بلاغ ولا يكمل إنذار، ولا تقوم الحجة ولا تنقطع المعذرة بكلام لا تفيد ألفاظه اليقين، ولا تدلُّ على مراد المتكلم بها؛ بل على خلاف ذلك، فينتفي عن القرآن -والعياذ بالله- معنى الهداية، وشفاء الصدور، والرحمة، التي وصف الله تعالى بها كتابه الكريم، ومعاني الرأفة والرحمة والحرص على رفع العنت والمشقة عن الأمة، التي وصف الله تعالى بها نبيه - صلى الله عليه وسلم - في كتابه العزيز، وهو الذي ترك الأمة على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فلا التباس في أمره ونهيه، ولا إلغاز في إرشاده وخبره، باطنه وظاهره سواء، كيف لا، وهو القائل: "إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقًّا عليه أن يدلَّ أمته على خير ما يعلمه لهم وبنذرهم شرَّ ما يعلمه لهم. . ." (٢).

وفي إنكار التأويل الكلامي ومناهج الفلاسفة والعقلانيين ومن تأثَّرَ بهم من المتكلمين، يقول الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "وقد توسَّع مَنْ تأخَّرَ عن القرون الثلاثة الفاضلة في غالب الأمور التي أنكرها أئمة التابعين وأتباعهم، ولم يقتنعوا بذلك حتى مزجوا مسائل الديانة بكلام اليونان، وجعلوا كلام الفلاسفة أصلًا يَرُدُّون إليه ما خالفه من الآثار بالتأويل -ولو كان مستكرهًا- ثم لم يكتفوا بذلك حتى زعموا أن الذي رتَّبوه هو أشرف العلوم، وأولاها بالتحصيل، وأن من لم يستعمل ما اصطلحوا عليه فهو عاميٌّ جاهل،


(١) مجموع الفتاوي، لابن تيمية، (٦/ ٣٦٠ - ٣٦١)، بدائع الفوائد، لابن قيم الجوزية، تحقيق: هشام عبد العزيز عطا وعادل عبد الحميد العدوي وأشرف أحمد، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط ١، ١٤١٦ هـ - ١٩٩٦ م، (٤/ ١٠٠٩)، الصواعق المرسلة، لابن القيم، (١/ ٢٨٨ - ٢٩٠).
(٢) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>