للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد سبق قريبًا قول القرافي: إن مخالفة ذلك هو خلاف الإجماع.

فإذا تقرَّرَ تغير الفتيا والأحكام المستندة إلى الأعراف والعادات فلا بد من ضبط ذلك التغير بضوابطَ حاكمةٍ وقواعد واضحة؛ فإن قاعدة "تغير الفُتيا بتغير الأزمان" لا يمكن أن تنعكس بالسلب على أصل عبودية الخلق للخالق؛ لأن هذا التغير هو مراد الشارع الحكيم، وتحققه لا يمكن أن يكون إلا ضمن مشيئة الله ومراده؛ لأن الله تعالى هو المتفرد على عباده بالألوهية والحاكمية.

لذلك يجب أن يأتي هذا التغير منسجمًا مع النصوص والأحكام مؤتلفًا مع المقاصد العامة للتشريع، وإن اختلف مع الأهواء والأمزجة؛ لأن الله أعلم بما يُصلح الناسَ ويُفسدهم، كما يجب أن يبقى مبدأ الامتثال ببقاء الأحكام التعبدية التي لم تعلل على حالها جملة وتفصيلًا.

ومن أجل تحقيق هذا وضع العلماء ضوابطَ لِتَغَيُّرِ الفُتيا، بتغيُّرِ العرف والعادة، وبيانها كالتالي:

الضابط الأول: ألَّا يكون تغير العرف مصادمًا للنصوص الشرعية:

الأصل التمسك بالنص، وعدم مخالفته، وتحكيمه في كل ما يمكن تحكيمه فيه دون التحول إلى غيره، قال تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [المائدة: ٤٩]، وقال سبحانه: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: ٥٩]، وقال عز من قائل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: ٣٦]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ". . . وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله. . . " (١).


(١) أخرجه: مسلم، كتاب الحج، باب: حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، (١٢١٨)، من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-.

<<  <  ج: ص:  >  >>