للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان مقتضيًا للمصلحة الراجحة لم يكن مفضيًا إلى المفسدة. (١)

وكذلك دفع الرشوة مَنْهِيٌّ عنه؛ لأنه وسيلة لأخذ محرم، فلو توقفت عليها حاجةٌ ومصلحة شرعية راجحةٌ أبيحت للدافع وظلَّت حرمتها على الآخذ. (٢)

وبالجملة فإن تعميم هذا الأصل اعتمادًا على تلك الشواهد يرجع أيضًا إلى مسألة أصولية هي: القياس على الرخص، وجوازه هو قول الأكثر من الأصوليين؛ لعموم الأدلة على حجية القياس، ولأن الحكم يدور مع العلة، فإذا وجدت علة الرخصة في موضعٍ آخرَ ثبت حكمها (٣).

[التطبيقات في حياة الأقليات]

تموج حياة الأقليات بتدافعات كثيرة يجب التأمل فيها، ومن ذلك: مناظرة المخالفين في أصل الدين ببلاد الأقليات الإسلامية، وبيان فساد معتقداتهم وبطلان أديانهم جائز مع ما يتضمنه من قدح في عقائدهم ومعبوداتهم من دون الله؛ فإن أفضى ذلك إلى مفسدةِ وُلُوغِهِمْ في أعراض المسلمين ودمائهم وأديانهم فيجب الكفُّ عنه؛ سدًّا لهذه الذريعة التي تخول لهم -والدولة بأيديهم- أن يتناولوا أهل الإسلام حالَ استضعافهم بحروب الإبادة والاستئصال.

ومن ذلك -أيضًا-: عقودُ التأمين خارج بلاد المسلمين إذا كانت من شأنها إقامة المؤسسات والمشروعات الإسلامية التي تحفظ على المسلمين هنالك أديانهم واجتماع أمرهم كالمدارس والمراكز الإسلامية ونحوها، فإنه يباح إجراؤها، مع أن تلك العقود محرمة سدًّا لذريعة الربا والغرر والقمار وأكل المال بالباطل، لكنها لما تعينت وسيلة لحفظ الأديان بأقامة تلك المؤسسات الإسلامية المهمة جازت؛ لأن ما حرم سدًّا للذريعة أُبيح للمصلحة الراجحة.


(١) المرجع السابق، (٢٣/ ١٨٥ - ١٨٦).
(٢) قواعد الأحكام، للعز ابن عبد السلام، (١/ ١٧٣).
(٣) شرح الكوكب المنير، لابن النجار، (٤/ ٢٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>