للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد صدَّر أصحاب هذا الاتجاه تعريفهم بكلمة "مَلَكَة" على معنى الصفة المكتسبة بالممارسة كالعلم، واستخدام الأصوليين لها من هذا الباب.

والقاسم المشترك بين الاتجاه الأول (فعل المجتهد) بفرعيه: (بذل) و (استفراغ)، والاتجاه الثاني (صفة المجتهد)، هو أن الاجتهاد لا يتأتى إلا ببذل الجهد، سواء من البداية (الاتجاه الأول)، أو بعد عدة محاولات وممارسات لهذا البذل والجهد لتصبح صفة ملازمة للمجتهد (الاتجاه الثاني).

وذلك لأن الاجتهاد باعتباره صفة لفعل المجتهد لا يتحقق ولا يوجد إلا بالملكة المشار إليها في الاعتبار الثاني، وإذا كان لا بد من حمله على أحد الاعتبارين فحمل الاجتهاد على فعل المجتهد هو الأولى؛ لأن الاجتهاد بهذا المعنى هو الفعل الذي تتطلبه الأمة لاستنباط الأحكام الشرعية، أما وصف الاجتهاد باعتباره (ملكة محضة) فلن ينتقل إلى حيز الفعلية في استنباط الأحكام الشرعية، وسيكون مجرد وصف للقابلية الذهنية المجردة، وليس لها أي آثار شرعية تتجاوز صاحبها.

[المسلك الثاني: وفيه بني التعريف على قيود مذكورة]

القيد الأول: كون الذي يقوم بالاجتهاد مجتهدًا أم فقيهًا:

الغزالي يقيد الاجتهاد بصدوره من المجتهد، أما ابن الحاجب وابن الهمام فيقيدانه بالفقيه، ومن الأصوليين من لا يقيده لا بالمجتهد ولا بالفقيه كالشافعي -رحمه الله-، والبيضاوي -رحمه الله-؛ إذ يعرف الاجتهاد بقوله: "استفراغ الجهد في درك الأحكام الشرعية" (١)، وكذلك الآمدي (٢)، واعتبر هؤلاء قيد المجتهد أو الفقيه لا قيمة له؛ إذ لا يمكن لمن ليس بمدرك لعلوم الشريعة أن يجتهد، سواء أسُمي فقيهًا أم لم يسمَّ.


(١) نهاية السول، للإسنوي، (٤/ ٥٢٤).
(٢) الإحكام، للآمدي، (٤/ ١٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>