للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث؛ فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل" (١).

ومعلوم أن الأحكام الشرعية مغياة بمصالح جليلة هي المقاصد العُليا للتشريع، ويحُكْم أن هذه المصالح هي من الأمور الوجودية؛ فإنه يعرض لمحالِّها من عوارض التبدل والإخلاف ما يوجب تجديد التكيف مع تلك المحالِّ حسب ما يقتضيه مناط الحكم الأصلي، مما يعني بوضوح أن الحكم المعلل يدور مع علته في سائر محالِّها وتشخُّصاتها.

وفيما يلي بيان لأهم الأسباب الخارجية لتغير الفُتيا والأحكام الاجتهادية في الشريعة الإسلامية:

[الفرع الأول: فساد الزمان وتغيره]

والمقصود على وجه الدقة فساد أهل الزمان أو صلاحهم؛ ذلك أن الزمن ليس بذاته مؤثرًا في تغير الأحكام؛ لأنه محلٌّ تتحقق فيه تلك التغيرات.

وقد كتب ابن القيم في كتابه "إعلام الموقعين" فصلًا ماتعًا في تغير الفتيا واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد.

ويدقق بعض الفقهاء والأصوليين فيقول: "لا نقول: إن الأحكام تتغير بتغير الزمان، بل باختلاف الصورة الحادثة" (٢).

وهو ما عناه العز ابن عبد السلام -رحمه الله- بقوله: "يحدث للناس في كل زمان من الأحكام ما يناسبهم" (٣)، وإن كان مقصود من قال بتغير الأحكام تبعًا لتغير الزمان، هو الأحكام المبنية على عرف أو عادة فتُغَيَّر تبعًا لتغيرها، وإلا فالأحكام في الأصل تتغير بحسب وجود عللها أو غيابها.


(١) إعلام الموقعين، لابن القيم (٣/ ٣).
(٢) البحر المحيط، للزركشي، (١/ ١٦٦).
(٣) المرجع السابق، (١/ ١٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>