تعتبر هذه القاعدة من أهم القواعد الأصولية لفقه نوازل الأقليات المسلمة، فإن هذا الفقه لا يتأتى له أن يؤدي مهمته، ويحقق غايته، ويؤتي ثمرته إلا باجتماع فقه النصوص الشرعية، وفقه الواقع المعيش.
وفي ذلك يقول الإمام ابن القيم:"لا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم؛ أحدهما: فهم الواقع والفقه فيه، واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط به علمًا، والنوع الثاني: فهم الواجب في الواقع، وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه، أو على لسان رسوله في هذا الواقع، ثم يطبق أحدهما على الآخر، فمن بذل جهده، واستفرغ وسعه في ذلك لم يعدم أجرين أو أجرًا.
فالعالم من يتوصل بمعرفة الواقع والتفقه فيه إلى معرفة حكم الله ورسوله، كما توصل شاهد يوسف بشق القميص من دبر إلى معرفة براءته وصدقه، وكما توصل سليمان - صلى الله عليه وسلم - بقوله: ائتوني بالسكين حتى أشق الولد بينكما إلى معرفة عين الأم" (١).
والفقيه الحق -كما قال ابن القيم في مقام آخر- هو الذي يزاوج بين الواجب والواقع، فلا يعيش فيما يجب أن يكون فقط، بل فيما هو كائن؛ ولهذا يعرف ما يفرضه الواقع من أحكام، فكثير ما ينزل من المثل الأعلى إلى الواقع الأدنى.
وهذا ما جعل ابن القيم يقرر وجوب تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان والعرف والحال.
"إن واجب الفقيه أن يدرس الواقع دراسة علمية موضوعية، بكل أبعاده وعناصره ومؤثراته، بإيجابياته وسلبياته، ما له وما عليه.
ونريد بدارسة الواقع: أن يدرس على الطبيعة لا على الورق، بلا تهويل، ولا