وحقوق على المتجنِّس، كما سبق، ولا كذلك المقيم، ولو طالت إقامته.
٣ - وأما الاستدلال بجلب المصالح، ودرء المفاسد؛ فإن مصلحة الرخاء والدعة ليست مقدَّمةً على مصلحة الحفاظ على الدين، أَفَتُجْعَلُ فتنةُ الناس كعذاب الله؟ أَفَتُسَاوَى هذه المصالحُ بالوالاة والتحاكم لغير الله، وإهلاك الذُّرية؟ ولو سلم الأمر من ذلك مع تحصيل تلك المصالح؛ فالضرورة تُقَدَّرُ بقدرها، والضرورة مندفعةٌ بالإقامة، ولا حاجةَ للتجنس الذي تَلْزَمُ به هذه المحنُ والبلايا.
٤ - أما الاستدلال بالضرورة، وكذلك أصحاب القول الثالث؛ فلا بُدَّ أولًا من تَحَقُّقِ الضرورةِ المعتَبرَةِ شرعًا، لا المتوهمةِ ولا الحاجيةِ ولا التحسينيةِ، كرغد العيش والرفاهية، وهو حال كثير من المتجنسين الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة.
ولو فُرِضَ تَحَقُّقُ الضرورةِ بشروطها المعتَبَرَةِ فلا بُدَّ أن تُقَدَّرَ بقدرها، وأَلَّا تُزَالَ بضررٍ مثلها، أو أشدَّ، وللإنسان حِيَلٌ كثيرةٌ ليتخلص من ضرورته، دون اللجوء للتجنس، فإن زالت الضرورة بما دون التجنس من أنواع الإقامةِ الممتدَّةِ لم يَبْقَ هنا للتجنس مُسَوِّغٌ.
[الترجيح]
لا شك أن نازلة كهذه لا يصلح فيها إطلاقاتٌ، أو تعميماتٌ، كما في قول المانعين المحرمين مطلقًا، أو قول المبيحين مطلقًا.
والإباحة عند الاضطرار والاحتياج من غير وقوع في المنكرات الكبار أليقُ بهذا المقام.
ولو قيل: إن الأصلَ المنعُ من التجنس، ويباح عند الحاجة الماسة التي تَتَنَزَّلُ منزلةَ الضرورة لكان هذا إنصافًا.
ويعيب القولَ الأولَ إشكالاتٌ في الطرح، أخطرُها: التعميمُ، والتشددُ في النظر إلى اللوازم، والاعتقادُ بدوامها أبدًا، وعدمُ التفريق بين واقع يَتَنَزَّلُ عليه الدليلُ بلا تأويلٍ، وواقعٍ آخرَ قد يقضي النظرُ بدخوله تحت دليلٍ آخرَ يجعلُ الحكمَ مختلفًا.