بل وقع الإجماع على الإنكار على من يتشدد أو يضيق في العبادات أو الأحكام والتشريعات، والأخبار المنقولة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الطيبين وسلف الأمة الصالحين تؤكد هذا المعنى بحمد الله.
[الأدلة العقلية]
كل ما ثبت دليلاً عقليًّا على نفي الحرج، فهو دليل على قاعدة المشقة تجلب التيسير، وقد سبقت تلك الأدلة قريبًا.
[ضوابط التيسير]
موقف العلماء من دعوى التيسير طرفان ووسط، ففريق منهم سلك بالناس مسلك التشديد، فألزمهم ما لا يطيقون، ورجَّح الأخذ بالأحوط دائمًا، ورفض مبدأ التيسير في الفُتيا، مع أن الدين يسر، وأسلوبهم هذا يؤدي في كثير من الأحيان إلى التنفير من الالتزام بتعاليم الإسلام.
وعلى الجانب الآخر يقف الفريق الذي أفرط في التيسير فتساهل حتى جعل الدين مسرحًا للتلاعب، وراح يتتبع رخص المذاهب، وُيلفِّق بينها ويلتمس الحيل والشُّبه، ويهرب من الأدلة الواضحة.
وربما تذرعوا بالمصلحة تارة، وبالعرف تارة أخرى، وكثيرًا ما يتخذون اختلاف العلماء مدخلاً للترخص، واختيار الأسهل، وإن كان مرجوحًا!
وبين ذينك الفريقين فريق وسط -وخير الأمور أوسطها- لم يشددوا مثلما شدد المتنطعون، ولم يتساهلوا مثلما تساهل المتميعون، وإنما توسطوا فسلكوا مسلك التيسير المنضبط بضوابطه، المحكوم بشروطه وقواعده، التيسير الجاري على أصول الشريعة، المضبوط بالدليل الذي لا يصادم نصًّا صريحًا، ولا إجماعًا صحيحًا، ولا قاعدة كلية، ولا أصلًا عامًّا، ولا مقصدًا من مقاصد الشرع الحنيف، فهؤلاء أهدى سبيلاً، وأقوم قيلًا.
وعليه: فلا بد من توافر جملة من الضوابط والشروط التي تضبط الفُتيا في النوازل من الانحراف عن تطبيق مبدأ التيسير، وبيانها كالتالي: