للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المصالح والمفاسد، والنظر إلى المآلات وتقدير حالات الضرورة وعموم البلوى، واعتبار الأعراف والعادات، واختلاف الأحوال والظروف والزمان والمكان، إلى غير ذلك.

فإنْ عَجَزَ الفقيه عن الوصول إلى حكم في النازلة فإن عليه التوقف حتى يجد فيها مخرجًا، وينتهي إلى قول محدد فيها، فإن كانت مسألة تضيق وقت العمل بها جاز له أن يُقلد فيها أوثق العلماء عنده علمًا ودينًا.

قال ابن عبد البر -رحمه الله-: "ومن أشكل عليه شيء لزمه الوقوف، ولم يجز له أن يحيل على الله قولًا في دينه لا نظير له من أصل، ولا هو في معنى أصل، وهذا الذي لا خلاف فيه بين أئمة الأمصار قديمًا وحديثًا، فتدبَّرْهُ" (١).

[المطلب الرابع: الاستنباط بالرد إلى الأدلة الشرعية وضوابطه]

الأدلة الشرعية التي تفيد في استثمار الأحكام واستنباطها معلومة مشهورة، وطريق الاستنباط منها مذكورة ومعروفة؛ قال الشافعي -رحمه الله-: "نعم يحكم بالكتاب والسنة المجتمع عليها التي لا اختلاف فيها، فنقول لهذا: حكمنا بالحق في الظاهر والباطن، ويحكم بالسنة التي قد رُوِيَتْ من طريق الانفراد لا يجتمع الناس عليها؛ فنقول: حكمنا بالحق في الظاهر؛ لأنه يمكن الغلط فيمن روى الحديث، ونحكم بالإجماع، ثم القياس، وهو أضعف من هذا، ولكنها منزلة ضرورة؛ لأنه لا يحلُّ القياس والخبر موجود" (٢).

فهذه الأدلة هي المصادر الأصلية، وهي متفق عليها في الجملة -بحمد الله- وكلها يعود إلى كتاب الله تعالى، كما قال الشافعي -رحمه الله-: "فليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها" (٣).


(١) جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر، (٢/ ٨٤٨).
(٢) الرسالة، للشافعي، (ص ٥٩٩).
(٣) المرجع السابق، (ص ٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>