للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول الإمام القرافي -رحمه الله-: "لا ينبغي للمفتي إذا كان في المسألة قولان:

أحدهما فيه تشديد والآخر فيه تخفيف -أن يفتي العامة بالتشديد والخواص من ولاة الأمور بالتخفيف، وذلك قريب من الفسوق والخيانة في الدين والتلاعب بالمسلمين، ودليل على فراغ القلب من تعظيم الله تعالى وإجلاله وتقواه، وعمارته باللعب وحب الرياسة والتقرب إلى الخلق دون الخالق، نعوذ بالله من صفات الغافلين" (١).

وقد عدَّ ابن السمعاني (٢) من شروط العلماء أهل الإفتاء: الكف عن الترخيص والتساهل، ثم صنف -رحمه الله- التساهل نوعين:

"- أن يتساهل في طلب الأدلة وطرق الأحكام، ويأخذ ببادئ النظر، وأوائل الفكر فهذا مقصر في حقِّ الاجتهاد، ولا يحل له أن يفتي ولا يجوز.

- أن يتساهل في طلب الرخص وتأوُّل السنة فهذا متجوز في دينه وهو آثمُ من الأول" (٣).

[المنهج الثالث: منهج الوسطية والاعتدال]

الوسطية في هذا الباب هي وسطية الإسلام في استنباط الأحكام، وهي وسطية بين طرفي التشديد والإفراط، وبين التسيب والتفريط، وهي وسطية تنضبط بالنصوص، وترعى المقاصد، وتحقق المصالح، وتفرق بين الفتيا العامة والخاصة في شأن الأقليات، وهي وسطية السداد في الإفتاء مع المقاربة، لا تكلف


(١) الإحكام في تمييز الفتاوي عن الأحكام، للقرافي، (ص ٢٥٠).
(٢) أبو المظفر، الإمام العلامة مفتي خراسان وشيخ الشافعية، منصور بن محمد بن عبد الجبار التميمي السمعاني المروزي الحنفي ثم الشافعي، من مصنفاته: القواطع في أصول الفقه، والمنهاج لأهل السنة، والأمالي في الحديث وغير ذلك، ولد ٤٢٦ هـ، وتوفي سنة ٤٨٩ هـ. سير أعلام النبلاء، للذهبي، (١٩/ ١١٤)، وطبقات الشافعية الكبرى، لابن السبكي، (٥/ ٣٣٥).
(٣) تهذيب الفروق والقواعد السنية في الأسرار الفقهية، لمحمد بن علي بن حسين المكي المالكي، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، ١٣٤٧ هـ، (١/ ١١٦ - ١١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>