للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العباد ما يرهقهم عنتًا، ولا تفتح لهم بابًا إلى الاجتراء على الأحكام والحرمات.

والأمر كما قال الشاطبي -رحمه الله-: "المفتي البالغ ذروة الدرجة هو الذي يحمل الناس على المعهود الوسط فيما يليق بالجمهور؛ فلا يذهب بهم مذهب الشدة، ولا يميل بهم إلى طرف الانحلال" (١).

وهو منهج لا يجمد على مذهب بعينه، ولا يهمل آراء المجتهدين، يسعى أربابه إلى رأب الصدع ولمِّ الشمل، ووحدة صف الأقليات، وتقدير ضروراتهم بقدرها، ومراعاة حاجاتهم بما يحققها، ويوازن بين النصوص ومقاصد الشرع، ولا يقيم الشقاق بين النصوص الجزئية والمصالح المرعية؛ فهو منهج فقهي تأصيلي، لا تسويغي ولا تبريري.

وهو منهج يراعي أن ما عَمَّتْ به البلوى في بلد لم تعمَّ به في غيره، وأن الذرائع كما يجب سدُّها قد يجب فتحُها، وأن الأحكام المنوطة بالأعراف والعادات تتغير بتغيرها، وأن اختلاف المقاصد يورث اختلاف الأحكام، وأن اختلاف الديار والأحوال له مدخل في تغير الفتيا بالنسبة للأقليات، وما استقرَّ عليه الصالحون من علماء قُطْرٍ، أو جرت به الفتيا في بلد لا ينبغي زلزلته أو توهينه (٢).

وهو منهج يتجنب أصحابه مصادمة النصوص الشرعية والإجماع المنعقد، ويحذرون من بناء فتياهم على قياس فاسد أو ما لا يصلح دليلًا في ذاته.

ولا يَعتبرون من الشذوذ في الإفتاء مخالفة المجتهد المتأهل للأئمة الأربعة في مذاهبهم وفتاويهم، وربما أخذوا ببعض تلك الفتاوى التي رُفضت في زمن


(١) الموافقات، للشاطبي، (٤/ ٢٥٨).
(٢) ميثاق الإفتاء المعاصر، محمد يسري، دار اليسر، القاهرة، ط ١، ١٤٣١ هـ، (ص ١١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>