للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأحوال وتنظيم العلاقات الدولية كل ذلك قد تناولته هذه الشريعة المعصومة على نحو لا نظير له في شريعة سبقتها، أو قانون وضعي جاء قبلها أو بعدها.

وأخيرًا فإن مما يؤكد على شمولية هذه الشريعة ما تقرر من عدم خلو الوقائع عن حكم للشريعة؛ لتستخرج المكلف من داعية الهوى إلى طاعة المولى جل وعلا (١).

[المطلب الرابع: اتزانها من كل وجه]

إن الشريعة الإلهية مستقيمة، فلا اضطراب فيها ولا عوج بحال، ولا ميل فيها عن الحق والعدل، ليست لها غاية في تحقيق مصلحة طبقة من العباد دون أخرى، ولا شعب دون شعب، ولا تميل لتحقيق مصلحة مادية على حساب مصلحة أخرى أخلاقية، ولا تؤثر الحياة الدنيا على الحياة الآخرة، ولا عكس، وتجعل العمل والجزاء له أثره الدنيوي والأخروي معًا، قال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: ٧ - ٨].

وهي توازِنُ بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة دون إخلال، فتبيح الملكية الفردية وتطلقها لينتفع الفرد، ثم هي تعمل على نفع المجتمع وتضع قيودًا على التملك وطرائقه، تمنع فيها الظلم والعدوان والاحتقار والغش والخداع، وتضع قيودًا على الاستثمار وتنمية المال، وأخرى على التسويق والتوزيع، والإنفاق والاستهلاك، وبعض هذه القيود أخلاقية يقوم عليها الإيمان، وأخرى قانونية يقوم عليها السلطان، موازنة بين حقوق الأفراد والمجتمعات، وإقامة للقسط وإشاعة للعدل (٢).

وفي تشريعاتها توازِن بين الفردية والجماعية، فمن العبادات ما يتحتم أداؤه جماعة، في


(١) الموافقات، للشاطبي، (٢/ ١٦٨).
(٢) شريعة الإسلام خلودها وصلاحها للتطبيق في كل زمان ومكان، د. يوسف القرضاوي، المكتب الإسلامي، بيروت، ١٣٩٣ هـ، ١٩٧٣ م، (ص ٢٠ - ٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>