للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وضبطٌ للمآل؛ لأن "كون النظر في مآلات التطبيق معتبرًا شرعًا يؤكده ويدعمه مبدأ الاستحسان الهادف إلى تحري المصلحة إبان تطبيق الحكم، وذلك عن طريق الاستثناء، من مقتضى القواعد والأقيسة" (١).

من هنا جاء تعريف الإمام الشاطبي: "الأخذ بمصلحة جزئية في مقابلة دليل كلي".

[حجية الاستحسان.]

يعتبر الاستحسان من الأصول المختلف فيها، فقد عمل به الحنفية والمالكية والحنابلة، وأنكره الشافعي، وقال: "من استحسن فقد شرع" (٢)، وبالطبع لم يقبله ابن حزم وسائر الظاهرية (٣)؛ لأنه من الرأي وهم ينكرون الرأي جملةً وتفصيلًا، ويتمسكون بظواهر النصوص، ولم يقبله -كذلك- الشوكاني، وقال عنه: "إن كان راجعًا إلى الأدلة الأخرى فهو تكرار، وإن كان خارجًا عنها فليس من الشرع في شيء، بل هو التقوُّلُ على هذه الشريعة بما لم يكن فيها تارة، وبما يضادها تارة أخرى" (٤).

واستدل العلماء القائلون بالاستحسان بأدلة من أهمها وأقواها: أن الشارع الحكيم قد عدل في بعض الوقائع عن مقتضى القياس، فمن أمثلة ذلك: أن القياس يأبى جواز السَّلم؛ لأن المعقود عليه معدوم عند العقد، ومع ذلك رخَّص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السَّلَم، ومن ذلك أيضًا: جواز عقد الإجارة فإنه ثابت بخلاف القياس لحاجة الناس إلى ذلك، فإن العقد على المنافع بعد وجودها لا يتحقق؛ لأنها لا تبقى زمانين، فلا بد من إقامة العين المنتفع بها مقام الإجارة في حكم جواز العقد؛ لحاجة الناس إلى ذلك (٥).


(١) الاجتهاد في العصر الحاضر ومدى الحاجة إليه، خالد عبد العليم، (ص ٣٠٥).
(٢) إحكام الأحكام، للآمدي، (٤/ ١٦٢)، المستصفى، للغزالي، (ص ١٧١)، البحر المحيط، للزركشي، (٦/ ٨٧).
(٣) الإحكام في أصول الأحكام، لابن حزم، (٦/ ١٦ - ٢١).
(٤) إرشاد الفحول، للشوكاني، (٢/ ٩٨٩).
(٥) أصول السرخسي، (٢/ ٢٠٣)، الموافقات، للشاطبي، (٤/ ٢٠٧ - ٢٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>