للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القاعدة الثالثة: المصلحة إذا كانت هي الغالبة عند مناظرتها مع المفسدة في حكم الاعتياد فهي المقصودة شرعًا، ولتحصيلها وقع الطلب على العباد (١):

[معنى القاعدة]

تقرَّر فيما مضى من قواعد المقاصد: أن الشريعة تَجلب المصالح وتُكثرها، وتَدفع المفاسد وتُقللها، كل ذلك من حيث تقام الحياة الدنيا للحياة الأخرى، فالمفاسد أو المصالح ممنوعة أو مشروعة من أجل إقامة الحياة الدنيا على نحو يوصل إلى مرضاته تعالى في الآخرة، لا لمجرد نيل الشهوات الدنيوية، أو تحصيل اللَّذات العاجلة، وإلَّا لما كانت حاجةٌ لإنزال الشريعة "فوضع الشريعة، وإن كان لمصالح العباد، فإنما هو حسب أَمْرِ الشارع، وعلى الحد الذي حدَّهُ، لا على مقتضى أهوائهم وشهواتهم". (٢)

والمصالح والمفاسد منها: دنيوي -أي: وجوده في الحياة الدنيا- ومنها: أخروي يكون في الآخرة.

فأما المصالح الدنيوية فلا يمكن -بحسب العادة- أن تتجرد عن المفسدة الدنيوية أيضًا، فهي لا تتمحض مصالحَ خالصة لا تشوبها شائبةُ مفسدةٍ من تكليف ومشقة، تصاحب المصلحة أو تسبقها أو تلحقها.

يقول العز ابن عبد السلام -رحمه الله-: "إن المصالح الخالصة عزيزة الوجود، فإن المآكل والمشارب والملابس والمناكح والمراكب والمساكن لا تحصل إلا بِنَصَبٍ مقترنٍ بها، أو سابقٍ، أو لاحقٍ" (٣).

وكذلك المفاسد قَلَّ أن تتمحضَ، فما من مفسدةٍ إلَّا وتقترن بها أو تلحقها أو تسبقها


(١) الموافقات، للشاطبي، (٢/ ٢٦ - ٢٧).
(٢) المصدر السابق، (٢/ ١٧٢).
(٣) قواعد الأحكام، للعز ابن عبد السلام، (١/ ٩ - ١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>