للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يبخِّلوني، فلست بباخل" (١).

وجه الدلالة:

"الحديث فيه ارتكاب مفسدة لأجل أخرى؛ فإن القوم خيروه - صلى الله عليه وسلم - بين أمرين مكروهين لا يتركونه من أحدهما: المسألة الفاحشة، والتبخيل، والتبخيل أشدُّ، فدفع - صلى الله عليه وسلم - الأشدَّ بإعطائهم" (٢).

ومثل هذا تركه - صلى الله عليه وسلم - الصلاةَ على الغالِّ (٣) والمدين (٤) وتركه قتلَ المنافقين (٥)، وهذا يدل بجلاء على صحة هذه القاعدة، وكثرة تطبيقاتها.

وفي تقريرها من جهة القواعد الأصولية والمقاصدية يقول العز ابن عبد السلام -رحمه الله-: "وقد أمر الله بإقامة مصالح متجانسة، وأخرج بعضها عن الأمر إنما لمشقة ملابستها، وإما لمفسدة تعارضها، وزَجَرَ عن مفاسد متماثلة، وأخرج بعضها عن الزجر، إما لمشقة اجتنابها، وإما لمصلحة تعارضها". (٦)


(١) أخرجه: مسلم، كتاب الزكاة، باب: إعطاء من سأل بفحش وغلظة، (١٠٥٦).
(٢) الاستقامة، لابن تيمية، (٢/ ٢٦٦).
(٣) أخرجه: أبو داود، كتاب الجهاد، باب: في تعظيم الغلول، (٢٧١٠)، وابن ماجه، كتاب الجهاد، باب: الغلول، (٢٨٤٨)، من حديث زيد بن خالد الجهني -رضي الله عنه- أن رجلًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - توفي يوم خيبر فذكروا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "صلوا على صاحبكم" فتغيرت وجوه الناس لذلك؛ فقال: "إن صاحبكم غل في سبيل الله"، ففتشنا متاعه؛ فوجدنا خرزًا من خرز يهود، لا يساوي درهمين! وصححه ابن حبان (١١/ ١٩٠)، والحاكم (٢/ ١٢٧).
(٤) أخرجه: البخاري، كتاب الكفالة، باب: الدَّين، (٢٢٩٨)، ومسلم، كتاب الفرائض، باب: من ترك مالًا فلورثته، (١٦١٩)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
وأخرجه البخاري، كتاب الكفالة، باب: الدَّين، (٢٢٩٥)، من حديث سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه-.
(٥) أخرجه: البخاري، كتاب المناقب، باب: ما ينهى من دعوة الجاهلية، (٣٥١٨)، ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب: نصر الأخ ظالمًا أو مظلومًا (٢٥٨٤)، من حديث جابر -رضي الله عنه-، وفيه قصة.
(٦) قواعد الأحكام، للعز ابن عبد السلام، (١/ ٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>