للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للشرع المحكم، ولا تغيير للشريعة الثابتة، بل هو خاصية في الشريعة نفسها تكسبها صفة البقاء والخلود وتزيدها ثباتًا وإحكامًا بقدرتها على تلبية كل متغير في حياة الناس.

فشريعة الله حاكمة لا محكومة وكل من يحاول إخضاعها ويئوِّل نصوصها ليذللها لأحكام الزمان والمكان والأقوام من غير طرائق التأويل المستقيم، إنما يجعل شرع الله هزوًا، وينزل به من عليائه، ويجعله خاضعًا لأهواء الناس، وهو بذلك يظلم نفسه، قبل أن يظلم دينه.

[المطلب الثالث: أنواع الأحكام الشرعية من حيث الثبات والتغير]

رفض كثير من العلماء والباحثين تقسيم الأحكام الشرعية إلى ثابت ومتغير، وقالوا: إن هذا التقسيم لا وجود له، وإن صفة الثبات لازمة لكل الأحكام الشرعية، وأنكروا تغير الأحكام بتغير الأزمان، وساقوا في ذلك الأدلة التي سقناها آنفًا في ثبات الشريعة وعدم تغيرها.

من هؤلاء العلماء: ابن حزم -رحمه الله- الذي أنكر جواز الانتقال عن حكم بغير نص أوجب النقل عنه، مهما تبدل الزمان أو الحال، وقال: إن الدين "لازم لكل حيٍّ ولكل من يولد إلى يوم القيامة في الأرض، فصح أنه لا معنى لتبدل الزمان ولا لتبدل المكان ولا لتغير الأحوال، وأن ما ثبت فهو ثابت أبدًا في كل مكان وفي كل زمان وعلى كل حال" (١).

ومن الباحثين المعاصرين من أنكر تغير الأحكام أيضًا، وإن كان قد أقر بتغير الفتوى، وأنكر كذلك تقسيم الأحكام الشرعية إلى ثابت ومتغير (٢)، ولا منازعة فيما ذهبوا إليه، بل نوافقهم الرأي، ولكن يبدو أن ما عناه العلماء بتغير الأحكام هو ذاته ما عنوه بتغير الفُتيا، وإن كنا نميل إلى تسميتها "تغير الفُتيا"؛ إذ إن التدقيق في الاصطلاح يعد أحد أسباب


(١) المرجع السابق، (٥/ ٥).
(٢) الثبات والشمول في الشريعة، د. عابد السفياني، (ص ٤٤٨ - ٥٤١)، الحكم الشرعي بين أصالة الثبات والصلاحية، د. عبد الجليل زهير ضمرة، ثبات الأحكام الشرعية وضوابط تغير الفتوى، لمحمد شاكر الشريف، بحث على موقع "صيد الفوائد" WWW.Saaid.net.

<<  <  ج: ص:  >  >>