وبناء على هذا الضابط المهم فالاجتهاد يجب أن يتطابق مع مبدأ العبودية لله تعالى، وأن يكون ضابط العبودية منطلقًا في التعامل مع كافة ما يطرأ من نوازل ومستجدَّات، وألا يقصر مفهوم العبودية على الناحية الشعائرية فقط، بل لا بدَّ أن يتسع ليشمل نواحي المعاملات والأنكحة والجنايات، وغير ذلك مما يجب إدراجه ضمن مبدأ العبودية الإلهية (١).
ثانيًا: عدم الخروج عن طريق السلف في فهم الأدلة:
يجب على المجتهد في تعامله مع الأدلة أن يرجع لأقوال السلف، وكيفية فهمهم لها، وأن يكون فهمه موافقًا لمنهجهم، وألَّا يخرج عن أقوالهم، وألَّا يتكلم في مسألة ليس له فيها إمام، كما قال الإمام أحمد -رضي الله عنه-.
وعلامة صحة اجتهاده أن يوافق السلف في فهمهم واجتهادهم، أما أن يشذ عنهم ويأتي بقول جديد لم يعرف عندهم، أو أنكروه على قائله، فإن ذلك عبث، وليس اجتهادًا.
ويجب أن يعرف الخلاف الذي عدَّهُ السلف سائغًا من الخلاف الذي أنكروا فيه على المخالف.
ثم إن منهج السلف هو منهج لهم في جملتهم، وبناء عليه فلا يصح أن يأتي بقول مهجور، أو لم تثبت نسبته إلى قائله فيقول به زاعمًا أن له فيه سلفًا، بل لا بدَّ من صحة ثبوته عن قائله، ومن كون الأدلة تحتمله، ومن كونه لم يُنْكَرْ على قائله من أئمة زمانه وعلماء عصره، فلا يقال مثلًا بحل نكاح المتعة؛ لأنه قول ابن عباس -رضي الله عنهما-، ويدَّعي أن ذلك ليس خارجًا عن منهج السلف؛ لأن هذا القول إن سلم أن ابن عباس -رضي الله عنهما- لم يرجعْ عنه فهو مخالف للأدلة الصريحة، وقد أنكره عليه غيره من الصحابة والتابعين والأئمة، فكيف وقد رجع عنه؟!
فالمقصود أن منهج السلف لا يعني اعتماد قول مهجور أو ضعيف جدًّا لا يعدو أن
(١) الاجتهاد المقاصدي. . حجيته. . ضوابطه. . مجالاته، د. نور الدين بن مختار الخادمي، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، الدوحة، ط ٢، ١٩٩٨ م، (٢/ ٢٧)، معالم وضوابط الاجتهاد عند شيخ الإسلام ابن تيمية، لعلاء الدين رحال، (ص ٣٠٦).