للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذرائع، كما قرَّرَهُ غيُر واحدٍ من أهل العلم، ومنهم العلَّامَةُ ابنُ القيمِ في إعلام الموقعين (١).

وعليه: فإنَّ الذي تُبِيحُهُ الحاجةُ بشرطِهَا هو ربا الفضلِ، أما ربا النسيئةِ وهو ربا الجاهلية فلا تُبيحه حاجةٌ، وعندما اجتمع مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية في القاهرة عام ١٣٨٥ هـ، قرَّرَ "أنَّ الإقراضَ بالربا محرَّمٌ لا تبيحه حاجةٌ ولا ضرورةٌ، والاقتراض بالربا محرَّمٌ كذلك، ولا يرتفعُ إثمُهُ إلَّا إذا دعتْ إليه الضرورةُ، وكلُّ امرئٍ متروكٌ لدينه في تقدير ضرورتِهِ". والفرق بين الإقراض والاقتراض ظاهر؛ إذ الأولُ لا ضرورةَ فيه قطُّ، وإنما هو الجشعُ والشَّرَهُ وحبُّ المال، وأما الثاني فَتُتَصَوَّرُ في مثله الضرورةُ.

ومسألتنا من قبيل ربا النسيئة، ولم يَقُلْ أحدٌ من أهل العلم: إنه تبيحه الحاجة.

ب - أنَّ النصوص في الباب لم تُفَرِّقْ بين المقرِض والمقترِض في التحريم، بل لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: "هم سواء" (٢).

[٤ - قاعدة: النظر إلى المآلات، وتحقيق المصالح الراجحة، ودفع المفاسد، وما يرتبط بذلك من المعقول]

وعلى هذه القاعدة، وما قيل في المعقول الذي يدلُّ على رجحان الجواز أجوبةٌ، منها:

أ - المصلحة هي ما دلَّتْ عليه الشريعة، وما سوى ذلك مما لا يحقق مقصود الشارع في حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال فليس مصلحةً، وإن وُجِدَ فيه شيء من المصالح كالخمر والميسر {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: ٢١٩]؛ فمردُّ المصلحة المعتبرة هو الشرع، وليس الهوى والعقل المجرد.

ثم إنَّ مصلحة الدين مقدَّمة على ما سواها من المصالح؛ ولذا شُرِعَ الجهادُ، وإن


(١) إعلام الموقعين، لابن القيم، (٢/ ١٥٥) وما بعدها.
(٢) أخرجه: مسلم، كتاب المساقاة، باب: لعن آكل الربا ومؤكله (١٥٩٨) من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-.

<<  <  ج: ص:  >  >>