لقد سبق -بما يغني عن الإعادة- أن الشريعة الإسلامية الغراء تميزت بثبات أحكامها وديمومة بقائها، وكمال صلاحيتها عبر الزمان والمكان، فلا جرم أن احتوت على مجامع الخيرات ومفاتح الرحمات لجميع البريات.
والأحكام التي جاء بها الدين الحنيف لا تقبل التغير في أصولها، إنما يقع التغير في علم الإنسان بها واستنباطه منها، وتطبيقه لها على ما يستجدُّ من الجزئيات، وبما أن الشريعة كاملة رفيعة المستوى لا يشوبها نقص ولا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، فهي مصونة من الارتداد إلى النقص أو الارتطام في هوة الفساد، وإلا كان ذلك نقصًا من مستواها؛ كما هي غير قابلة لارتقاء إلى أعلى منها؛ لأن هذا الأعلى غير موجود؛ ذلك بأنها من كتاب الله العزيز، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فالأحكام التي نص عليها القرآن والسنة المطهرة واستُمِدَّ منها إجماعُ المسلمين لا يمكن أن يقع فيها تغير أو تغيير، ولن تحتاج لذلك؛ لأنها ستظل صالحة لكل زمان ومكان، وهذه الصلوحية تحتمل أن تُصوَّر بكيفيتين:
الأولى: أن الشريعة قابلة بأصولها وكلياتها للتطابق مع مختلف الأحوال بحيث تساير أحكامها مختلف المستجدَّات دون حرج ولا مشقَّة ولا عسر.
الثانية: أن يكون اختلاف أحوال العصور والأمم قابلًا للتشكيل والتعديل على