للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلا بد أن أعرِّفه أن الذي أفتيته به غير مذهبه.

فسألت -أي: ابن القيم- شيخنا؟ -يعني: ابن تيمية- قدَّس الله روحه عن ذلك، فقال: أكثر المستفتين لا يخطر بقلبه مذهب معين عند الواقعة التي سأل عنها، وإنما سؤاله عن حكمها، وما يعمل به فيها، فلا يسع المفتي أن يفتيه بما يعتقد الصواب في خلافه" (١).

[تطبيقات القاعدة في تأصيل فقه الأقليات]

تقرر بوضوح مما سبق عرضه أنه إذا كان المجتهد مستقلًّا أو غير مستقل بالنظر في المسائل والأحكام الفقهية فإنه مطالب بأن ينتهي إلى ترجيح ما غلب على ظنه أنه الصواب سواء أكان مقيدًا بمذهب من المذاهب الأربعة المتبوعة أم لا.

ولا شك أن المجتهد والمفتي في نوازل الأقليات المسلمة يحتاج إلى هذه السعة في مجال البحث والموازنة والترجيح، فله أن يأخذ بمذهب فقهي يخالف مذهبه، وله أن يميل إلى آراء بعض المجتهدين الذين تحرروا من ربقة التقليد، وله أن يأخذ بمذاهب الصحابة المنقولة نقلًا صحيحًا، وقد ذهب ابن السبكي من الشافعية إلى جواز تقليد الصحابة -رضي الله عنه- خلافًا للمعتمد في المذهب، وقال: "وهو الصحيح عندي" (٢).

وانتصر ابن القيم لهذا المنهج فقال: "لا يسع المفتي أو الحاكم عند الله أن يفتي ويحكم بقول فلان وفلان من المتأخرين من مقلدي الأئمة ويأخذ برأيه وترجيحه، ويترك الفتوى والحكم بقول البخاري وإسحاق بن راهويه (٣)، وعلي بن المديني (٤)، بل


(١) إعلام الموقعين، لابن القيم، (٤/ ٢٣٨).
(٢) فتاوي ابن حجر، (٤/ ٣٠٧).
(٣) أبو يعقوب، إسحاق بن إبراهيم بن مخلد، المعروف بابن راهويه، هو الإمام الكبير، شيخ المشرق، سيد الحفاظ، سمع من الفضيل بن عياض، ومعتمر بن سليمان، وجرير بن عبد الحميد، وسفيان بن عيينة، وسمع منه بقية بن الوليد، ويحيى بن آدم، وهما من شيوخه، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وهما من أقرانه، ولد سنة ١٦١، وتوفي سنة ٢٤٣ هـ. سير أعلام النبلاء، للذهبي، (١١/ ٣٥٨)، المقصد الأرشد، لابن مفلح، (١/ ٢٤٢).
(٤) أبو الحسن، علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح بن بكر بن سعد السعدي، مولاهم البصري، المعروف =

<<  <  ج: ص:  >  >>