للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد تناظرا في مسألة فلم يتفقا، فلما التقيا أخذ الشافعي بيده، وقال: "يا أبا موسى، ألا يستقيم أن نكون إخوانًا وإن لم نتفق في مسألة؟ " (١).

وعليه فلو أن مفتيًا فردًا أو مجمعًا فقهيًّا أفتى فتيا في شأن نوازل الأقليات وكانت خطأ لسبب أو لآخر -فإن هذا لا يُعَدُّ بذاته سببًا كافيًا للقدح في دين أحد أو تجريحه، فضلًا عن أن القطع في مثل هذه الفتاوي بالخطأ أمر ليس باليسير؛ وذلك لما يحتفُّ بواقع تلك المسائل، وحال أهلها من أمور تلتبس وتخفى على كثيرين؛ مما قد يتطرق معه الخطأ في الفتيا من جهة تصويرها أو تكييفها أو تطبيق الأدلة عليها.

فلا غنى عن الانضباط بأدب الخلاف، والورع عن الوقوع في أعراض العلماء، مع بيان الحق بدليله من غير إقذاع في عبارة، أو غمز في إشارة.

[المطلب الثالث: الطريقة العامة لاستنباط حكم النازلة]

إن استباط حكم النوازل ولا سيما في بلاد الأقليات من أدقِّ مسالك الفقه وأصعبها؛ لأن الوقائع التي تحدث للأفراد والمجتمعات لا تتناهى صورها، ولا تقف أنماطها عند حد معين، وتزداد صعوبة هذا الفقه مع تعاقب الأجيال، وتطور الأعصار وسرعة التغير في معطيات الحضارة والتداخل الشديد بين الشعوب والمجتمعات، وعولمة الأعراف والعادات مما جعل الناظر في النوازل يَطرق أبوابًا لم تُطرق من قبل، ولا تُفتحُ هذه الأبواب -غالبًا- إلا بجهد مضاعف ودراسة وافية عميقة متكاملة.

وأكثرُ ما يحدث في ساحة الإفتاء المعاصرة من غلط وخلط إنما هو في الغالب من خطأ التصور للنازلة، أو التقصير في معرفة التكييف الصحيح لها، ومعلوم أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره،


= الشافعية، لابن السبكي، (٢/ ١٧١).
(١) ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء، (١٠/ ١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>