للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العرف وتغير الزمان والمكان، بل لا يقوم بهذا إلا العالم الرباني الذي امتلأ قلبه بخشية الله، واتبع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتضلَّع من علوم الشريعة، وفَهِمَ هذا الضابطَ حقَّ الفهم، ولاحظ كيف طبقه الأئمة المتقدمون، وكيف كانوا يراعونه، وبالله التوفيق.

ثامنًا: أن يذكر دليل الحكم في فتيا النازلة:

وذلك لأن الحجة إنما هي في دليل الحكم، لا سيما إن كان من كتاب أو سنة أو قول صحابي، قال ابن القيم -رحمه الله-: "ينبغي للمفتي أن يذكر دليل الحكم ومأخذه ما أمكنه ذلك، ولا يلقيه إلى المستفتي ساذجًا مجرَّدًا عن دليله ومأخذه، فهذا لضيق عطنه وقلة بضاعته من العلم، ومن تأمَّل فتاوي النبي - صلى الله عليه وسلم -الذي قوله حجة بنفسه- رآها مشتملة على التنبيه على حكمة الحكم ونظيره ووجه مشروعيته" (١).

وقد ذهب كثير من العلماء إلى عدم مطالبة المفتي بذكر الدليل في فتياه (٢).

والظاهر أن هذا يختلف باختلاف حال المستفتي، وطبيعة الفتوى أو النازلة، فإذا كان السائل طالبَ علمٍ، أو له دراية بالأدلة وعلوم الشرع، أو طلب معرفة الدليل، فإنَّ المفتي يذكر له الدليل والحكمة من المشروعية تطمينًا لقلبه وزيادةً في علمه.

وكذلك إذا كانت النازلة عامة تتعلق بالأُمَّة، أو تمسُّ مصالح المسلمين، أو ذات تفاصيل ومداخل ومخارج، فينبغي أن يذكر فيها الأدلة والحجج، ويبسط القول ويجيب عن الإشكالات، ونحو ذلك.

أما إذا كان المستفتي عاميًّا لا يفقه معنى الدليل -ولا سيما إن كان من غير الكتاب والسنة- ولا وجه الاستدلال فلا حاجة لذكره له؛ لعدم الفائدة، وإنما يجيبه بما يحتاجه من


(١) إعلام الموقعين، لابن القيم، (٤/ ١٦١).
(٢) صفة الفتوى والمفتي والمستفتي، لابن حمدان، (ص ٨٤)، المجموع، للنووي، (١/ ٥٢)، الفقيه والمتفقه، للخطيب البغدادي، (٢/ ٤٠٦ - ٤٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>