معتبرة شرعية، وأصول ثابتة مرعية؛ إذ الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، والشريعة جاءت لتحصيل المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها.
٣ - إن تغير الفُتيا يجب أن يكون مقصورًا على أهل الفُتيا والاجتهاد من العلماء الربانيين الذين يخشون الله وينصحون لعباد الله، ويسيرون في دربهم على بصيرة واتباع، لا على هوى وابتداع، وليس لمن قصر باعه وقلَّ اطلاعه في العلم، ولا لمن بضاعته مزجاة أن يتصدر لذلك أو يمارسه، وإلا أفسد أكثر مما يصلح وأضلَّ الناسَ بغير علم، {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[الأنعام: ١٤٤]، {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ}[القصص: ٥٠].
وكلما كان المفتي أعلمَ بالشريعة وأصولها وقواعدها، وأعظمَ ممارسة، وأوسعَ اطلاعًا، وأخشى لله وأعلمَ به -كان اجتهاده أضبطَ ونظره أصوبَ.
وكذلك كلما كان النظر جماعيًّا وتمهَّل الإنسان وتأنَّى وتثبَّت واستشار أهل الخبرة والاختصاص والنظر الصحيح كان أوفقَ للحق، فإن يد الله مع الجماعة {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا}[النساء: ٨٣](١).
غير أنه لا يصح أن يُطْلَقَ العنانُ في ذلك للمفسدين والمبطلين ومتبعي الهوى؛ ليخالفوا النصوص والقواعد بحجة مراعاة العرف والزمان والمكان، أو ليتأولوا تأويلًا باطلًا متعسفًا، أو ليطوعوا الشريعة لواقع غير إسلامي بدعوى فهم الواقع، ومراعاة
(١) بحث تغير الفتوى، د. محمد عمر بازمول، دار الهجرة، الثقبة، ط ١، ١٤١٥ هـ، (ص ٥٦)، بحث تغير الفُتيا، د. الغطيمل، (ص ٢١ - ٢٢)، بحث فقه الواقع، د. حسين الترتوري، (ص ٧١ - ١١٤).