يكون اجتهادًا أخطأ فيه صاحبه، فلا يحتج به على أنه من طريق السلف.
ثالثًا: التحرر من الخوف وضغط الواقع الفاسد:
إن مهمة الشرائع هي تصحيح الواقع الفاسد الذي يحياه الناس، ووضع المنهج الصحيح الذي يحكم الحياة والأحياء، ولا ينبغي أن تنقلب الصورة فيصبح الواقع الفاسد هو الحاكم على الشرع، وتصبح النصوص والأحكام الشرعية أداةً لتبرير الواقع الذي يعيشه الناس.
والمجتهد لا بدَّ أن يتحرر من عقدة الخوف من ضغط الواقع الذي تردَّى الناس إليه، ويحاول أن يرتقي بهم إلى أفق الشرع الرحب السمح الذي يتناسب مع الفطرة السوية، ولا يصادم مصالح العباد ومنافعهم، كما لا ينبغي أن تكون اجتهاداته وفتاويه تبريرًا لهذا الواقع المنحرف، وتسويغًا لأباطيله، بأقاويل ما أنزل الله بها من سلطان، ولا قام عليها من برهان.
وقد يكون هذا التبرير ممن باعوا دينهم بدنياهم أو بدنيا غيرهم، أو قد يكون من مخلصين غيورين على دينهم، ولكن الواقع يضغط عليهم بقوة من حيث يشعرون، أو لا يشعرون، فهم يركبون الصعب والذلول لتطويع النصوص للواقع، على حين يجب أن يطوع الواقع للنصوص؛ لأن النصوص هي الميزان المعصوم الذي يُحتكم إليه ويُعَوَّلُ عليه.
والواقع يتغير من حسن إلى سيئ، ومن سيئ إلى أسوأ أو بالعكس، فلا ثبات له ولا عصمة؛ ولهذا يجب أن يرد المتغير إلى الثابت، ويرد غير المعصوم إلى المعصوم، ويرد الموزون إلى الميزان (١).
قال الله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
(١) الفتوى بين الانضباط والتسيب، للقرضاوي، (ص ٨٢ - ٨٤).