وضغط الواقع ونفرة الناس عن الدين لا يُسوِّغ التضحية بالثوابت والمسلمات، أو التنازل عن الأصول والقطعيات، مهما بلغت مجتمعات الأقليات من تغير وتطور، فإن نصوص الشرع جاءت صالحة للناس في كل زمان ومكان.
ولعل عقدة النقص تجاه الغرب وحضارته وفكره، والتقليد أو التبعية، فإن شئت قلت: العبودية لهذا التغريب المتعمد للمجتمع على أيدي نفر يعتبرون الغرب إمامًا يجب أن يُتَّبع، ومثالًا يجب أن يُحتذَى، وما كان من أفكارنا وقيمنا وتقاليدنا ونظمنا مخالفًا للغرب، اعتبروه عيبًا في حضارتنا ونقصًا في شريعتنا، ثم تبدأ المحاولات لتبرير هذا الوضع وإضفاء الشرعية عليه، واصطياد الشبهات، وتحريف الأدلة عن مواضعها؛ كل هذا هو أكبر دليل على الهزيمة النفسية والمروق من الدين شيئًا فشيئًا عندما يُفتح الباب للتنازل عن الحق من أجل إرضاء الباطل، أو الالتقاء معه في منتصف الطريق.
ومما يلجأ إليه بعض المجتهدين والمفتين -تحت ضغط الواقع الفاسد- هو اللجوء إلى الحيل الباطلة لإضفاء الشرعية على المخالفات الصريحة الواضحة، وقد عقد ابن القيم أبوابًا كثيرة في كتابه "إعلام الموقعين" للرد على هذه الحيل الباطلة وتفنيدها ودحض شبهات مدعيها فأحسن وأجاد، ومما قاله:"فتعالى شارع هذه الشريعة الفائقة لكل شريعة أن يشرع فيها الحيل التي تُسقط فرائضه، وتُحِلُّ محارمه، وتُبطل حقوق عباده، ويفتح للناس أبواب الاحتيال وأنواع المكر والخداع، وأن يبيح التوصل بالأسباب المشروعة إلى الأمور المحرمة الممنوعة، وأن يجعلها مضغة لأفواه المحتالين، عرضة لأغراض المخادعين، الذين يقولون ما لا يفعلون، ويظهرون خلاف ما يبطنون"(١).