للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إنه لم يكن نبي قبلي إلَّا كان حقًّا عليه أن يدلَّ أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شرَّ ما يعلمه لهم. . ." (١)، وهذا شأن ورثة الأنبياء كذلك.

عاشرًا: أن يمهد لما قد يُستغرب من أحكام:

ومما يلتحق بما تقدم أنَّه ينبغي للمفتي أن يمهد للحكم المستغرب بما يجعله مقبولًا لدى المستفتي في النازلة.

قال ابن القيم -رحمه الله-: "إذا كان الحكم مستغربًا جدًّا فينبغي للمفتي أن يوطئ قبله ما يكون مؤذنًا به، كالدليل عليه، والمقدمة بين يديه، فتأمَّل ذكره سبحانه وتعالى قصة زكريا وإخراج الولد منه بعد انصرام عصر الشبيبة وبلوغه السنَّ الذي لا يولد فيه لمثله في العادة، فذكر قصته مقدمة بين يدي قصة المسيح وولادته من غير أب، فإنَّ النفوس لمَّا آنست بولد بين شيخين كبيرين لا يولد لهما عادةً سهل عليها التصديق بولادة ولد من غير أب" (٢).

[حادي عشر: مراعاة الحكمة في الجواب، وإرشاد السائل إلى ما ينفعه]

إذا سأل المستفتي عن مسألة لا نفعَ فيها، أو ستشغله عما هو أنفع، أو دلَّ جهله بما سأل عنه على جهله بما هو أخفى منه مع شدة الحاجة إليه، فإن على المفتي أن يُراعي هذه المقامات، ويهتم بما هو أنفعُ للسائل، وأصلح له في دينه ودنياه، وذلك من كمال فقهه ونصحه وربانيته، ولهذا الأصل شواهد من الكتاب والسنة، فقد قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: ١٨٩] فسألوه عن السبب في كون الهلال يبدو صغيرًا ثم يكبر، فعدل بهم إلى ما ينبغي أن يعرفوه ويسألوا عنه، وهذا يسمى "أسلوب الحكيم".

وكذلك ورد من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلًا قال: "يا رسول الله، إنا نركب البحر


(١) أخرجه: مسلم، كتاب الإمارة، باب: وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء الأول فالأول، (١٨٤٤)، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-.
(٢) إعلام الموقعين، لابن القيم، (٤/ ١٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>