للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأموالهم، فكل ما يؤدي إلى الإخلال بواحد منها فهو مضرة يجب إزالتها ما أمكن، وفي سبيل تأكيد مقاصد الشرع بدفع الضرر الأعم بارتكاب الضرر الأخص، ولهذه الحكمة شُرِعَ حدُّ القطع حمايةَّ لَلأموال، وحدُّ الزنا والقذف صيانةً للأعراض، وحدُّ الشرب حفظًا للعقول، والقصاصُ وقتلُ المرتد صيانةَّ لَلأنفس والأديان، ومن هذا القبيل شُرِعَ قتلُ الساحرِ المضرِ، والكافرِ المضلِّ؛ لأن أحدهم يفتن الناس، والآخر يدعوهم إلى الكفر، فيتحمل الضرر الأخص ويرتكب؛ لدفع الضرر الأعم. (١)

ولأجل هذا جوَّز الفقهاء الحجرَ على المفتي الماجن، والطبيب الجاهل، والمكاري المفلس. (٢)

[أدلة القواعد]

أدلة هذه القواعد كثيرة شهيرة تقدم عدد منها، ويمكن أن نسوق دليلين للتمثيل فقط من الكتاب والسنة:

أولًا: القرآن الكريم:

قوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: ١٧٣].

وجه الدلالة:

قررت الآية حكمين هامين هما: حرمة الميتة والدم ولحم الخنزير، والثاني إباحة الميتة للمضطر.

وبالنظر في الآية يظهر التعارض بين مفسدتين إحداهما أعظم من الأخرى، فالأكل من الميتة مفسدة ومعصية، وترك الأكل منها مع عدم وجدان غيرها مفسدة أعظم؛ لإفضائها إلى هلاك النفس وفواتها بالجوع.


(١) الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية، للبورنو، (ص ٢٠٦).
(٢) الأشباه والنظائر، لابن نجيم، (ص ٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>