للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحقوق في المستقبل، لا أنه جهة يستمد منها المسلمُ الشرعيةَ.

وعليه: فإن حَلَّ عقدِ النكاح أولًا، وصحتَهُ، وتَرَتُّبَ آثارِهِ عليه إنما يَستندُ إلى العقد الشرعي لا غير.

كما أنه اعتبر عقدَ النكاح المذكور بمنزلة التفويض من الزوج، وهو جائز عند الجمهور، ولو لم يُصرِّح به؛ لأن "المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا". . . إلخ.

ويُنَاقَشُ هَذَا:

بأنه ليس بمنزلة التفويض؛ لأن الزوج عند التفويض لا يَسقط حقُّه في التطليق، فالطلاق حقٌّ من حقوق الزوج، فله أن يطلق زوجته بنفسه، وله أن يفوضها في تطليق نفسها، وله أن يوكِّلَ غيرَهُ في التطليق، وكلٌّ من التفويض والتوكيل لا يُسقِطُ حقَّهُ، ولا يمنعه من استعماله متى شاء (١)، بينما الزوج هنا لا حقَّ له في ذلك، كما جاء في القرار: "إن هذا العقد لا يحلُّ عروتَهُ إلا القاضي".

وقولهم: "كالمشروط شرطًا" لا يعني كلَّ شرط على الإطلاق، وإنما شرطٌ يوافِقُ الحقَّ؛ كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "المسلمون عند شروطهم ما وافق الحق من ذلك" (٢)، وحرمان الزوج من ذلك يخالفه؛ لأنه إسقاط لحقٍّ قرره الكتابُ، وأكدته السنةُ للزوج؛ لأن الطلاق حَلُّ عقدةِ النكاح فلا يملكه من ليست بيده، وقد قال تعالى: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ}، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "الطلاق لمن أخذ بالساق"، وقصة الحديث أن رجلًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إن سيدي زوجني أمته، وهو يريد أن يفرق بيني وبينها؛ قال: فصعد رسول


(١) المغني، لابن قدامة، (١٠/ ٣٨١)، تكملة المجموع، للمطيعي، (١٧/ ١٠٩).
(٢) أي: ما وافق منها كتاب الله وإلا فهو باطل. أخرجه الحاكم في "مستدركه"، (٢/ ٤٩)، وعنه البيهقي في "الكبرى"، كتاب الصداق، باب: الشروط في النكاح، (٧/ ٢٤٩)، من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-. ورُوي من أحاديث أم المؤمنين عائشة، وأبي هريرة، وأنس بن مالك -رضي الله عنهم-.

<<  <  ج: ص:  >  >>