لقد تميزت الشريعة الربانية بمميزات كثيرة، وانفردت بخصائص فريدة تؤهلها للبقاء والصلاحية، والديمومة والثبات من جهة، والسعة والمرونة من جهةٍ أخرى.
فالقواعد ثابتة في كل زمان ومكان لا تقبل تبديلًا ولا تغييرًا، وما كان من الفتاوي والأحكام الاجتهادية مرتبطًا بالبيئات والظروف والأعراف والعادات أو المصالح ونحو ذلك فإنها تقبل التغير والاجتهاد، وهذا في ذاته من مظاهر المرونة، ومن دلائل الخصوبة.
كما أن الأحكام الاجتهادية لم تسرد سردًا ولم تستوعب ذكرًا في كتاب ولا سنة، وإنما عرضت أصول الأحكام ومعاقد الحلال والحرام، ثم فُتح باب الاجتهاد لتخريج الفروع على الأصول، ورد الجزئيات إلى الكليات، وقياس غير المنصوص على المنصوص، وهذا من شأنه أن يفتح باب السعة، ومراعاة الخلاف؛ ذلك أن الخلاف الذي ينشأ لأسباب تتعلق بالنصوص وفهمها، أو منهج الاستنباط منها، أو لتعارض أدلتها، أو لغياب النصوص فيها -دليل حيوية الفقه الإسلامي وصلاحيته.
ثم إن من أعظم ما يدل ويؤكد على قابلية تغير الفتيا والأحكام الاجتهادية ما تمهد من قطعيات الدين وبدهيَّاته أن هذه الرسالة هي الخاتمة، وأن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - هو النبي الخاتم، وأن هذا الكتاب الكريم والشريعة المطهرة هما الناسخان لما سبقهما من الكتب والشراح، فالعالمية إذن من خصائص هذه الشريعة، قال تعالى: {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ